أرضية الجبهة الاجتماعية الوطنية للدفاع عن قطاع الصحافة والنشر
وضعت الأخطاء السياسية والتدبيرية المتبعة والمعتمدة من قبل المتدخلين الأساسيين في قطاع الصحافة والنشر (دولة ــ حكومة ــ أغلبية ومعارضة برلمانية ــ فاعلين اجتماعيين …)المنظومة في أزمة بنيوية وهيكلية مركبة، زاد من تعاظم اختلالاتها صدور القوانين المؤطرة للقطاع سنة 2016 (القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، القانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، القانون المتعلق بإحداث المجلس الوطني للصحافة رقم 13-90) وإن شكلت هذه التشريعات بالنظر إلى توقيت اصدارها وسياقاته السياسية والاجتماعية والإقليمية والدولية، وانتظارات المرحلة واكراهاتها وتحدياتها، سيما في مجال الصحافة والنشر خطوة متقدمة نسبياً في تنظيم القطاع، إلا أنها للأسف، وتحت حسابات سياسوية ونقابية ضيقة، ومطامح وأهداف المركب المصالحي الجشع، المؤسس في تكتلاته على عقيدة ومبدأ الهيمنة التاريخية على قطاع الصحافة، والتحكم في صناعة القرار، وحقيبة الدعم العمومي، وصناعة خريطة المشهد التمثيلية على مستوى المجلس الوطني للصحافة، وجمعية الأعمال الاجتماعية، واتباع سياسة الكيل بمكيالين في الدفاع عن حرية الصحافة واطلاق سراح الصحافيين والمدونيين، فالمرحلة بهذه السمات والعناوين والخلاصات والنتائج، تكون قد أخلفت موعدها مع التاريخ في تصحيح الأعطاب والتراجعات والتأخر التاريخي كبنيات معيقة لتحديث القطاع واعادة تأهيليه، انطلاقا من استشراف المستقبل وتملك أدوات الثورة الرقمية والاندماج في صيرورة تطورها انطلاقا من، وتأسيسا على مخرجات المناظرات الوطنية والأيام الدراسية.
انهيار المنظومة الإعلامية
إن السياسة العمومية المتبعة بالقطاع باتت تنذر – بإخفاقاته المتواترة- بانهيار المنظومة الصحافية ببلادنا وتضاعف من هشاشة حضورها كلاعب ومؤثر وفاعل في المشهد الإعلامي وطنيا، اقليميا ودوليا، ومرد ذلك يكمن على وجه التحديد في عدم توفر الدولة والحكومة على رؤية أو تصور متكامل الأركان والبنيات للقطاع من أجل النهوض بمجالاته المتعددة المنصات والمواقع (السمعي البصري الورقي والالكتروني).
ويمكن استبيان ضبابية الموقف الرسمي إزاء هذا الملف من خلال إعمال وتبني ذات آليات التفكير المستمدة توجهاتها الكبرى من نهج الحكومات السابقة، وهو ما يتضح بجلاء من خلال عدم اتيان التصريح الحكومي على ذكر اصلاح القطاع ضمن ما اصطلح على تسميته في برنامجها السياسي بالأوراش الاستراتيجية الكبرى المندرجة في اطار النموذج التنموي الجديد، التي لا يستقيم مشروع تنزيل الاصلاحات في مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية إلا بتعميق الاصلاح السياسي والديمقراطي كمدخل اساسي لمفهوم الدولة الاجتماعية.
فكانت الحصيلة، مواصلة استمرار تكريس الأعطاب والتراجعات والإخفاقات، من خلال عدم التعاطي الإيجابي للدولة والحكومة مع مبادرات اصلاح حقيقي لقطاع الصحافة والنشر، وعدم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على مستوى المجلس الوطني للصحافة، وجمعية الأعمال الاجتماعية، وضرب آليات الحوار القطاعي الممأسس مع النقابات الوطنية لقطاع الصحافة، وفيدراليات الاعلام، وجمعيات ناشري الصحف، وكذا، من خلال اقدام الحكومة من جانب واحد واستنادا إلى أغلبيتها العددية، على تمديد ولاية المجلس الوطني للصحافة؛والمصادقة على مشاريع قوانين ومراسيم تنظيمية تتعلق بإحداث لجنة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، وكيفيات تحديد شروط الاستفادة من الدعم العمومي لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع؛ وإذنها للجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر اصدار نظام خاص بتنظيم الولوج إلى ممارسة مهنة الصحافة يتعارض في مضامينه ومقتضيات الدستور، ومدونة الصحافة والنشر، وعما هو متعارف عليه دوليا، ويكرس سياسة التحكم والهيمنة على القطاع من خلال تقييد الجسم الاعلامي بشروط مجحفة وجائرة وغير قانونية تخدم مصالح اللوبي التقليدي المهيمن على القطاع تروم الحد من حق الاستفادة من البطاقة المهنية، وتحييد المراسل الصحافي المعتمد من خارطة ممارسة الصحافة والإعلام وجعله عرضة للمتابعة القضائية، وشل النشاط الإعلامي للمقاولة الاعلامية الالكترونية المتوسطة والصغرى ترابيا ومجالياً.
إن النضالات التي انخرط فيها الصحافيون من خلال تنفيذهم وقفات احتجاجية واعتصامات مفتوحة، وكذا تنظيمهم أيام دراسية بمجلس المستشارين، إذ تعبّر عن رفضها الصريح لما يتم الاعداد له من مشاريع قوانين تنظيمية تتعارض والتطلعات التنظيمية والمهنية والاجتماعية للجسم الصحافي من مهنيين ومراسلين معتمدين، وتحصين الحريات، فإنها تؤكد الحاجة لإطار جامع وموحد ومبادر ومشارك في النضال لمواجهة كل المخططات الرامية إلى اعادة انتاج ذات السياسات المكرسة للإخفاق والتراجع والبلقنة.
أهداف ودواعي الإعلان عن مبادرة تأسيس الجبهة
إن تحديات المرحلة ودقتها وحزمة الانتظارات وسياقاتها وانخراط العاملين في القطاع في برنامج احتجاجي وطني لوقف مسلسل الإخفاقات وتشتت الفاعلين في المجال أملت الحاجة إلى التفكير العقلاني في البحث عن مسلك عام لتوحيد الرؤى وتقريب مسافة التباعد بين مكونات الجسم الإعلامي والساعي منه إلى ذلك، من هنا جاءت مبادرة النقابة الوطنية للإعلام والصحافة المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل،في الاعلان عن تأسيس جبهة اجتماعية وطنية للدفاع عن قطاع الصحافة والنشر، كإطار تنظمي مهني ترافعي مفتوح أمام كل التنظيمات النقابية القطاعية والمنظمات الاعلامية، ومكونات ناشري الصحف، والمركزيات النقابية والتنظيمات السياسية والمنظمات الحقوقية والثقافية وفعاليات المجتمع المدني.
إن الجبهة الاجتماعية الوطنية للدفاع عن قطاع الصحافة والنشر، انطلاقا من الأهداف والدواعي كما هي محددة في ميثاقها، فإن الخط الفاصل في انفتاح مكونها كإطار تشاوري وتضامني وكواجهة تقوم بمبادرات مشتركة تهم قضايا القطاع المهنية والاجتماعية والتنظيمية تؤكد التزامها بـ:
التأسيس لإطار تشاوري لبلورة تصور حول اشكالية التنظيم الذاتي للقطاع بعد فشل التجربة السابقة، ومواجهة كل مظاهر الإقصاء والاحتكار والمزايدات السياسية في تصريف شؤون القطاع.
المساهمة والانخراط الفعلي في انجاح المبادرات المشتركة والمتوافق حولها من أجل:
فتح حوار فوري وعاجل بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين الممثلين في النقابات القطاعية المنضوية تحت لواء المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا؛ وجمعيات الناشرين؛ والتعبيرات الإعلامية الممأسسة؛
مباشرة اصلاح منظومة القوانين المؤطرة لمدونة الصحافة والنشر في إطار حوار اجتماعي ممأسس؛
تجميد اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، ونقل الاختصاصات والصلاحيات الممنوحة لها من قبل الحكومة، لوزارة الشباب والثقافة والتواصل إلى حين مراجعة القوانين المؤطرة للقطاع؛
إلغاء النظام الخاص للجنة المؤقتة بتنظيم الولوج إلى ممارسة مهنة الصحافة، والابقاء على المقتضيات المتعلقة بها كما هي واردة في القانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين؛
إعادة النظر في شروط وكيفيات الاستفادة من الدعم العمومي لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع ؛
عدم اعتماد بطاقة الصحافة المهنية لسنتي 2024 و2025 في استحقاقات المجلس الوطني للصحافة لأن منحها تم تحت حسابات سياسوية ونقابية ضيقة تروم صناعة مجلس وطني للصحافة على المقاس، واعتماد البطاقة المهنية لسنة 2023؛
انقاد وتأهيل المقاولة الاعلامية الالكترونية الصغرى والمتوسطة من الافلاس؛
منح البطاقة المهنية للصحافة بانسجام مع مدونة الصحافة والنشر وأحكام الدستور والمواثيق الدولية ذات الصلة؛
رفع كل أشكال الحيف والظلم في حق المراسل الصحافي المعتمد في ولوج ممارسة مهنة الصحافة؛
تحصين مجال حرية الصحافة والاعلام وحرية التعبير بما يعزز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات؛
الدعوة إلى عقد مناظرة وطنية لبلورة استراتيجيات النهوض بالقطاع وتطويره وتحديثه والارتقاء بالموارد البشرية العاملة به؛
المنسق الوطني للجبهة
عبد الواحد الحطابي
الكاتب العام للنقابة الوطنية للإعلام والصحافة