بقلم عبد الكريم أيت بلال.
لا شك أن واقع التنمية و الشغل بإقليم أزيلال يظل ضبابيا في عيون أبنائه الذين استيقظوا على واقع يتأزم يوما بعد يوم ، فإشكالية التنمية بصفة عامة في إقليم أزيلال تظل معقدة جدا ، و لا يمكن تفسيرها بعامل دون آخر . فواقع الشغل و صعوبة أنماط الحياة بهذا الإقليم يتداخل فيهما ماهو تنموي ، و ما هو طبيعي ، و ماهو جغرافي و ما هو ثقافي و ما هو متعلق ببنيات العقل في المجتمع الزيلالي ككل. فإذا أخذنا على سبيل المثال العائق الأول الذي هو العزلة الجغرافية و وعورة التضاريس، فهي لم تكن عزلة طبيعية فقط بل تجدرت لأن تكون عزلة ثقافية أيضا ، فالجبل على مر التاريخ ظل رافضا في الكثير من الأحيان ، بل مقاطعا لكل ما هو مستورد و دخيل . وظل التوتر و الصراع السمة الغالبة التي طبعت علاقة الجبل بالحضارات التي تعاقبت على المغرب. فخصوصية الجبل الطبيعية و التاريخية ، تبقى عنصرا حاسما في اي تشخيص للواقع و حتى أمام كل مخططات التنمية ، فبدون مراعاة لهذه البنيات المختلفة المتعددة و المعقدة، سيكرس المزيد من الفراغ و الفشل التنموي الذي استمر مند عقود . فقد يستطيع اي مواطن بسيط ان يلقي باللائمة على الإقليم و المسؤولين ، لكن الغوص في المؤشرات و الأسباب الحقيقية ، يبقى واقعا مركبا. فإذا أخذنا على سبيل المثال لا الحصر الواقع المعيشي لأبناء الإقليم فيما سبق ،نجد أنه كان يرتكز بالأساس على الزراعات و أساليب الفلاحة المعاشية ، في غياب المشاريع التنموية المهيكلة ، و بدائل أخرى . ومع اشتداد سنوات الجفاف في الآونة الأخيرة ، ضربت كل هذه الأنشطة فتوقفت جل تلك الممارسات ، التي اعتبرت منذ فجر التاريخ اساس استقرار السكان في هذه المناطق. فبين عشية و ضحاها وجدت الفئات المرتبطة اشد الارتباط بالأرض نفسها في وضع لا يمكن فيه الاستمرار . أما الطاقات الشبابية التي تعتبر ركيزة اي مخطط للتنمية، فهي عاجزة عن إيجاد ذاتها و الواقع الذي يحقق طموحاتها. لتبقى استراتيجيات التنمية التي كانت قد سُطرت لهذه المناطق هي الأخرى غير صالحة و لا مجدية في ظل هذه المتغيرات المتسارعة . فإقليم أزيلال على غرار باقي مناطق الأطلس الكبير ، مقبل على تغييرات جدرية مقلقة في العقود القادمة ، فالتغيرات الطبيعية و المناخية اشتدت في الظرفية الأخيرة ، و باتت سيناريوهات الجنوب الشرقي اقرب إلينا مستقبلا. فعندما تتغير المنظومة البيئية يتغير معها كل شيء .
فالجفاف بوتيرته الحالية سيقضي على المنظومة البيئية التي تحمينا ، بما فيها الزراعات و الغابات ، و مصادر المياه مما يجعل هذه المناطق معرضة لمختلف اشكال الظواهر الطبيعية، كالفيضانات و أزمة المياه و اشتداد سنوات الجفاف ، مما يضع استمرار نمط الحياة التي ألفناها على المحك .
إلى هنا تبقى إشكالية الهجرة واقعا، يفتح مشاكل أخرى متعددة على مستوى مناطق النزوح و الاستقبال.
أما عن آليات مواجهة هذه التحديات فأي استراتيجيات لا تحمل في طياتها هذه المتغيرات، يبقى مصيرها الفشل ، و ان ما يحتاجه إقليم أزيلال على وجه الخصوص ، هو رؤية تنموية تأخذ بعين الاعتبار برامج ، للتأقلم و التكيف مع هذه المستجدات على مستوى المنظومة البيئية .
وهذا كفيل بالاستمرار في هذه البيئة الجديدة التي تحمل لنا تغييرات جذرية، على مستوى العادات الغذائية و اللباس و كل أنماط العيش. فكل من نقوله اليوم هو واقع الغد ، و لكي لا ننسى أن ما كان كلاما بالأمس أصبح واقعا مفروضا اليوم
و الله أعلم .