متابعة ياسين هنون
احتضن قصر المؤتمرات -هذه المعلمة الفنية الجميلة في الجهة ، بكلميم عاصمة جهة كلميم واد نون يوم الجمعة 26 ماي 2023 م ، لقاءاهاما حول الاستثمار من تنظيم مجلس جهة كلميم واد نون الذي تتراسه السيدة الفاضلة المحترمة مباركة بوعيدة و اشراف السيد والي الجهة السيد الناجم ابهاي الذي ادار بكل حنكة و رزانة وبديبلوماسيته المعهودة بمعية كل السلطات الولائية والإقليمية مجريات اللقاءالذي جمع كبار المستثمرين الوطنيين والدوليين الذين تدارسوا بكل احترافية و واقعية الإمكانيات المتوفرة للاستثمار في جهة غالية من المغرب الحبيب والتي ماتزال تعاني من معدل البطالة الأكثر ارتفاعا على الصعيد الوطني بحوالي 22 في المئة خلال سنة 2020م مقارنة بالمعدل الوطني الذي تقدره المندوبية السامية للتخطيط ب 10.5 في المئة سنة 2020 م ، تنخر البطالة أساسا الشباب الحاصل على الشواهد العليا و النساء القرويات بالجهة مما يفسر عدة ظواهر اجتماعية مقلقة في الجهة كارتفاع محاولات الهجرة السرية وما تؤدي اليه منو ماسي إنسانية كبيرة وارتفاع نسب الطلاق والعنف الاسري … .
تميز اللقاء بحضورالمستشار الملكي اندري ازولاي الذي اضفى حضوره على اللقاء صبغة خاصة من حيث انه متخصص في الاقتصادوقضايا الاستثمار حيث كانت كلمته عميقة وتحمل رسائل مختلفة ومنها رسالة مفادها ان استحضار و مراعاة الاستثمار في الموارد البشرية عبر الاهتمام بالجانب الثقافي و بالتنوع الديني و التسامح الذي تمتاز به الحضارة المغربية العريقةعموما والجهة خصوصا امر ضروري لوضع الجهة على السكة الصحيحة ، اذ ان مصالحة المغاربة مع ثقافتهم و تاريخهم مدخل أساسي من مداخل بناء الشخصية الإنسانية المتوازنة القادرة على رفع كل التحديات .
في كلمتها الافتتاحية للملتقى اكدت الرئيسة مباركة بوعيدة للجميع الإرادة القوية الراسخة للجهة في احتضان كل الاستثمارات المنتجة لفرص الشغل و الهادفة الى الرقي بالجهة اقتصاديا واجتماعيا و ثقافيا ، مبرزة المشاريع الكبرى التي انخرط فيها مجلس الجهة و تقدم الاشغال في الطريق السيار الذي يربط شمال المملكة بجنوبها ، كما اكدت قرب انتهاء الاشغال في سد فاصك الكبير ، كما عرجت على الفرص الاستثمارية الهامة التي تزخر بها الجهة وخصوصا في مجالات الطاقات الشمسية والريحية .. كلمة السيدة الرئيسة ابرزت من جديد الكفاءة العالية التي تتمتع بها الرئيسة وايمانها بمستقبل الجهة و انخراطها الجدي في كل الاوراش التنموية التي من شانها إيلاء المنطقة المكانة الرفيعة التي تستحقها .
كلمة السيد والي الجهة كانت ترافعا حقيقيا عن واقع و افاق الجهة ، حيث بين للحضور الإمكانيات و المؤهلات التنموية الكبرى التي تختزنها الجهة ، مبرزا الأدوار التاريخية التي قامت بها الجهة تاريخيا في جميع المراحل التاريخية السابقة من حيث انها منطقة التلاقي الحضاري و الثقافي و من كونها بوابة للصحراء المغربية و صورة ناصعة عن المجهودات المبذولة من طرف كل مؤسسات الدولة للرقي بهذه الربوع العزيزة ، كما نوه الى الإرادة القوية للإدارة الترابية بمعية كل الشركاء و المتدخلين في تسهيل جميع المساطر والإجراءات امام الاستثمار، معتبرا ان جهة كلميم وادنون بوابة الصحراء المغربية تمتلك رصيدا تاريخيا و ثقافيا يؤهلها لتكون في مستوى الجهات الرائدة المستقطبة للاستثمار و المتمتعة بجاذبية كبيرة اذا ما تم استثمار مجالاتها البحرية و الجبلية و جميع مؤهلاتها الطبيعية و الثقافية . حضر” يوم المستثمر” وفد حكومي هام يتكون من وزيرات ووزراء : الفلاحة والانتقال الطاقي و العلاقات مع البرلمان و الاستثمار .. وعدد من مدراء المؤسسات العمومية المغربية الاستراتيجية و على راسها صندوق الإيداع و التدبير و الوكالة الوطنية للواحات و شجر اركان ..
كان اللقاء فرصة سانحة لطرح إشكاليات تنموية مؤرقة بالجهة ومقاربتها من زوايا مختلفة و متداخلة ، اذ ان الوضعية التنموية جهويا رغم الإمكانيات المادية المرصودة ورغم تجند جميع القطاعات الحكومية وارتفاع معدل الاستثمارات العمومية مقارنة ببعض الجهات ، الا ان الواقع مايزال يطرح تحديات كبرى تنموية وثقافية و يجعل تواجد المستثمرين الخواص في الجهة متواضعا، وتبقى من اكبر التحديات المطروحة غياب نسيج صناعي في الجهة و الوضعية العقارية الغير واضحة في مجموعة من مناطق الجهة التي تنفر المستثمرين ، كما ان ضعف ان لم نقل غياب طبقة اجتماعية وسطى في الجهة يجعل جاذبيتها ضعيفة بالمقارنة مع جهات أخرى ، كما ان ضعف التواصل المؤسساتي فيما يتعلق بالتسويق الترابي للمجال ومؤهلاته من المشاكل الكبيرة التي تعيق التنمية الجهوية و بطبيعة الحال دون ان نستحضر السياقات السياسية التي مرت بها الجهة والتي أدت الى مرحلة ركود تنموي منفر للجميع زاده وباء كورونا لسنتي 2019 -2020 استفحالا .
تعتبر جهة كلميم واد نون مشتلا للطاقات والكفاءات و ارضا للتسامح والتعايش والتنوع الثقافي عبر التاريخ ، اذ كانت ممرا للقوافل التجارية الصحراوية وجسرا للربط بين شمال المغرب وامتداده الافريقي ، وكانت أسواق اكلميم و مناطقها فضاءا للتجارة والتثاقف ومكانا لابراز الخبرات و المهارات التي تتوفر عليها الساكنة المحلية عبر قرون مديدة ، كان ذلك ماضيا تليدا رائعا يحتاج الى دراسات علمية لابرازه اكثر كما تحتاج الى تنقيب اركيولوجي رصين لسبر اغوار اسرار المجال الكثيرة التي عرفت تواجد بشري عريق وقديم جدا ، ولكن نقوش امجاط و امطظي والرسوم المصبوغة بطانطان و ماثر تغجيجت و الكتابات الصخرية في نواحي اداي وفي مناطق مختلفة من اسا .. كلها شواهد تاريخية دالة على ان الجهة حزان عريق للتراث والحضارة ، لكن الاستثمار في الصناعات الثقافية و المؤهلات الطبيعية التراثية و ضعف الاهتمام بالجانب الثقافي التراثي سمة بارزة لدى النخب السياسية بالجهة ، اذ ان المجال الثقافي الوادنوني يعرف تمازج و تعايش بين ثقافات متنوعة منسجمة غاية الانسجام و تراث عبري يهودي مايزال الاهتمام به كامنا خاملا رغم انه يحمل إمكانيات واعدة و فرص استثماره ستجلب منفعة كبيرة للمنطقة و للجهة والوطن عموما ، وتعتبر الجهة خزان كبير للنقوش الصخرية و المأثر التاريخية المعمارية كايكودار ومناطق تواجد اقدم تواجد يهودي بالمغرب وبشمال افريقيا على الاطلاق ، وهنا لا يمكن ان ننكر المجهودات المعتبرة التي قام بها السيد والي الجهة شخصيا و السيدة رئيسة الجهة ومصالح المديرية الجهوية للثقافة من اجل ترميم ملاح الاطلس الصغير و عدد من الماثر التاريخية الأخرى ، لكن عمل كبير ينتظرنا جميعا في هذه الجهة من اجل تطوير الاهتمام بالتراث الثقافي و الاستثمار فيه ، اذ ان التسويق الترابي للمجال لا يكون الا بالتعريف بما يميز المجال عن غيره و البحث عن فرادته و جمع الساكنة حوله عبر التاطير والتكوين والتحسيس وعبر اكتساب الخبرة والتجربة من الاخرين و من الدول الأخرى التي استطاعت ان تجعل الاستثمار في المتاحف و المزارات الثقافية رأسمالا حقيقيا تتباهى به لدى الأمم.