المداخل الأربعة لمنظومة تربوية ناجحة .

بقلم : عبد الحكيم البقريني .

تعددت مقاربات إصلاح المنظومة التعليمية ، وتنوعت المواصفات والجرعات ، لتتوالى السنوات العجاف ، وتتداول الاخفاقات ، فيبقى الحال رهين تذيل تصنيف عالمي ألفناه منذ عقود … في هذه المقاربة سأقارب الموضوع من مداخل أربعة ، مداخل مرتبطة ، متفاعلة ، متأثِّرة ومتأثَّرة ببعضها ، زوايا هذا التوصيف هي : الوزارة ، فالأطر الإدارية والتربوية ، فالتلميذ ، ثم الأسرة .

        إن كل إصلاح رهين بتضافر جهود الأطراف الأربعة ، وكل خطة لابد أن تراعي تصور هذه الأطراف ، مساهمتها في الفعل التربوي ، رؤيتها للمنظومة من زاويتها الخاصة . ولعل الاخفاقات المتتالية مردها لسياسة الآذان الصماء التي تنهجها الوزارة على مر السنين ، والقرارات الفردية والارتجالية التي تنهجها ، ورد فعل الشغيلة الرافض لكل ما هو فوقي مرتجل ، ثم رد فعل المتعلم الذي لا يناسبه ما يقدَّم له ، باعتباره غير جذاب ، وحامل لنوايا مبيتة ، ومن ثمة يأتي دور الأسرة باعتبارها مراقبة ومقومة للفعل التربوي .

إن المتأمل للحقل التعليمي يدرك عمق الهوة ، والشرح الحاصل بين الوزارة وموظفيها. فالوزارة همها إثقال الأطر الإدارية والتربوية بواجبات إضافية ، وبمقرر دراسي موزع بشكل آلي ، ميكانيكي على مدار السنة الدراسية ، فساعات الحصص اليومية ، فدقائق الحصة . إننا أمام ماكينة لا ترحم . لقد عملت الوزارة على إذلال موظفيها واحتقارهم غير ما مرة ، يتجاهلها لما يرفع لها من قرارات المجالس ، وتوصيات الدورات التكوينية ، وما يدور بين الأساتذة ومفتشيهم من رؤى وآراء تنويرية . إذ الوزارة لا تساير طموح الأستاذ ورؤاه ، ولا تأخذ بعين الاعتبار اجتهاداته وتوصياته ، بل على العكس تماما فقد أصدرت غير ما مرة قرارات تعاكس تلك الطموحات . لذا على الوزارة أن تضع الأستاذ في صلب كل إصلاح ، تصغي لمواقفه المعبرة عن آرائه ، والناطقة باسم المتعلم ، فالأسرة . على الوزارة أن تصغي للأطراف الثلاث ، وتنأى عن النوايا المبيتة ، وسياسة الآذان الصماء ، وأن تتخلص من بعض المديريات المركزية التي همها عرقلة كل إصلاح منبعث من التربة المغربية ، باعتبارها اعتادت ريع استيراد البيداغوجيات الأجنبية . على الوزارة بناء الإنسان قبل تأهيل وإنشاء البنايات . على الوزارة أن تكون مواطنة ، تتعامل بمبدإ الشراكة والإشراك ، لا بمنطق المشغِّل ، القائم على ثنائية الآمر والمأمور . عليها أن تدرك أننا بصدد البناء ، ومن مقومات البناء ، تضافر جهود الشركاء وإشراكهم في الفعل ، إصغاء وتكليفا فتكريما . فكفى من القرارات الفوقية ، ولتسمع لنبض المتدخلين الآخرين ، ولتعمل بتوجيهاتهم .

إن المدرس حلقة وصل بين الأطراف الثلاثة : ( الوزارة ، المتعلم ، الأسرة ) ، ولعل الموقع جعله يتلقى الكثير من الصدمات ، قوَّته ، وجعلته أكثر إبداعا وإقناعا في تجاوز المطبات . يحمل كل مدرس أو مُدرسة رؤى وتصورات ليكون الفعل التعليمي ناجحا ، والمحتوى جذابا ، والرسالة نافعة ، ويجتهد الجميع في فعله التنويري حبا في المهنة ، ورغبة في التنوير ، وإشعاع المجتمع ، إذ بموازاة المهمة التدريسية فهو أب لمتعلم أو متعلمة ، قرب أسرة. … بيد أن هذا المجهود النوراني عادة ما يقابل باستخفاف من بعض الأطر الإدارية ، ولا مبالاة من طرف الوزارة التي قلما تؤمن بثقافة الاعتراف والتكريم . إن رؤية وزارتنا لرجال ونساء التعليم قائمة على الاستغلال ، واستنزاف الطاقة البشرية . لا تحفيزات ، وترقيات على مهل ، وبالكوطا … والمتتبع للعمل النقابي يدرك حجم التعسفات ، وضحايا النظام التعليمي ، والقرصنة التي تعرض لها الكثير ، وما التنسيقيات التي نمت كالفطر إلا تعبير عن ظلم المنظومة لرجالها ولنسائها ، والتي من المفترض أن تصغي لاقتراحاتهم وأحلامهم الحاملة لحلول نبتت بتربة المتعلم والأسرة . إن نجاح إصلاحنا المأمول رهين بالاصغاء لرسل التنوير ، والعمل على بلورة أفكارهم ونقلها لأرض الواقع. وتلك رسالة موجهة للإدارة المركزية ، التي من الواجب أن تستفيد من اجتهادات المدرسين خدمة لمتعلميهم .

إن المتعلم صلب العملية التعليمية التعلمية ، هو المستقبل ، هم رجال ونساء المستقبل ، لذا أقول : ” وجب بناء الإنسان قبل العمران ” . بناء الإنسان مرتبط بمحتوى ، ومادة دراسية مفعمة بالقيم الإنسانية والكونية ، لفت في قالب جمالي ، محفز ، ومثير بألقه وتألقه . ينجذب المتعلم لكل جميل ، وتتقوى مناعته بالمثل والأخلاق والقيم ، لذا وجب على الوزارة ، وأطر التنفيذ الحرص على بذر هذه الأسس الجمالية ، بطريقة جميلة ، وبفضاء أجمل … بيد أن وزارتنا منشغلة باستيراد مساحيق التجميل الهجينة ، ووضعها بتحاعيد منظومة معطوبة ، عميقة نذوبها . فلا هي أهلت البنايات ، وجعلتها جذابة ، ولا نقحت وغيرت المقررات الدراسية وجعلتها تستجيب لطموحات المتعلمين ، ولتصورات الأساتذة . أمام هذا الوضع غير المرضي يلجأ المتعلم لعنف ممتد أفقيا وعموديا … يتلف ممتلكات المؤسسة . يدون آماله وآلامه بالطاولات ، وعلى الجدران .. يجابه الأطر التربوية وأحيانا الإدارية .

قد يتساءل البعض عن سر فصل التلميذ عن الأسرة ، مرد ذلك لكون غالبية الأسر لم تعد عارفة ومدركة لشخصية فسلوكات أبنائها … قد يكون الابن بالبيت خجولا ، وبالشارع شيء آخر ، أو العكس . إذ السلوكات قد تتغير بتغير البيئة أو المحيط أو المحيطين بنا . هذا الأمر يتجاهله الكثير من الآباء و الأمهات . فتجد الكثير من يعتبر ذاته الخير ، كل الخير … والباقي كل الشر ، مستندا فلسفته من إعلام كرس الإنشطار ، وفقدان الهوية . إن الأسرة فاعل أساسي في إصلاح المنظومة التربوية ، بإرساء القيم والاخلاق بالأبناء ، وإرسالهم كمتحضرين لا كقطّاع طرق ، وقنابل موقوتة تحمل غلا للأستاذ ، ونية مبيتة مبنية على السوء نحو المؤسسة التعليمية ، واتجاه رجالاتها ونسائها . لقد تفطنت الوزارة لدور الأسرة ، فأرست جمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ والتلميذات ، وإن كانت بعض الجمعيات انزاحت وعن مهمتها في كثير من المواقع ، فكانت سببا في توتر الأجواء بدل تلطيفها .

من كل ما سبق نستنتج أن إصلاح أعطاب منظومتنا رهين ببناء الإنسان ، وإرسائه بالمفهوم الصحيح عبر المواقع الأربعة : ( الوزارة ، المدرس ، التلميذ ، الأسرة ) . الكل مطالب بالتحلي بالمسؤولية وتجنب الخلفيات ، والنوايا المبيتة . الكل مدعو للوضوح ، والعمل بشفافية ومسؤولية خدمة للطرف الآخر ، والوطن .

 

 

Exit mobile version