رمضان : صيام وقيام وأشياء أخرى… 

لا اختلاف بين المغاربة في الفرحة بقدوم رمضان ، ولا في مكانته في القلوب،ولا في كونه مناسبة للتقرب إلى الله بالاستغفار والنوافل والصدقات وصلة الأرحام طلبا للرحمة والمغفرة والعتق من النار. ..

 

غير أن بين ما يقوله الناس في حق هذا الشهر المبارك وما يفعلون فرقا كبيرا ، ذاك أننا، قبل حلول رمضان بأسبوع أو أكثر ، نرى الناس يتسابقون في كل مكان ، وفي أي اتجاه ، منهم الباحثون عن التمور والحلويات والدقيق والسكر … ومنهم المقبلون على الطماطم والأسماك واللوز والجوز والزنجلان،وكأن هناك من أخبرنا بأيام عجاف تهددنا !!

فالأسواق ،في المدن الكبرى ، تتكدس بالشاحنات الموزعة، والمقاهي تستعد “لإيواء” الساهرين ، في مقابل مساجد تهيأ لاستقبال المصلين ، والحوانيت والهريات تسابق الزمن لعرض البضائع التي لا نستطيع معرفة مصادرها ، فنتيه بين ما هو مغربي، منها، وما هو تركي أو تونسي أو جزائري أو صيني…

 

والجزارون والعطارون والخضارون وبائعو الزيتون والخبازون يعدون العدة استعدادا لموعد رمضان ، والشواطئ في المدن الساحلية تنظف و تزوق لاستقبال الطائفين والجالسين على الأرائك والواقفين . وفي المدن الداخلية تستعد الحدائق لتسهر مع الساهرين!

 

والقناتان المغربيتان الأولى والثانية تتسابقان لتبشرانا – بين إشهار وإعلان كما في كل عام – بأن الأولى “ستضحكنا” بالتفاهة والثانية “ستجمعنا ” بالسفاهة…فتعداننا بالضحك والأكل بالليل ، ردا على الحشمة والوقار والإمساك وغض الأبصار بالنهار ، وهما بذلك تتسابقان لترسيخ اعتقاد كذب مفاده أن رمضان الليل “المسرور” يجب أن يقابله رمضان النهار”المحزون”، ومما يدل على هذا أن برامج القناتين تتدفقان بفقرات الفكاهة والأكل ، وتكادان تخلوان من برامج الوعظ والإرشاد ولو بمسلسل واحد في أوقات ذروة المشاهدة ! وهكذا سيبدو لكثير من المتتبعين أن رمضان ، وبحسب طبيعة ما يعرض في قناتين عموميتين رسميتين، ينحصر معناه في الصراخ والرواج والخصام والتعب والعطش بالنهار ، والضحك والفكاهة والسهر بالليل!

 

وأما إدارات المستشفيات والمقاطعات والأبناك والخدمات فإنها تستعد هي الأخرى لحالات ” الترمضين ” ” والتمرضين ” التي قد يعاني منها الزوار والمستقبلون على حد سواء.

 

وجامعو الخبز اليابس وجامعاته ،والجوالون بالبصل والطماطم والسردين ، في الأوساط الشعبية ، يعدلون برامج أوقات مرورهم في الأحياء وبين الدروب والأزقة فيؤجلون جولاتهم إلى ما بعد الزوال كي لا يزعجوا الصائمين النائمين .

 

كل هذا والهلال لم يهل ، و رمضان لم يحل، وأما في ليلة رمضان الأولى فإن الأمور تتغير وتيرتها من حي إلى آخر ومن طبقة اجتماعية إلى أخرى ؛ فلا الألوان تتشابه ولا السيارات ولا التمور ولا السهرات ، بل إن لكل طبقة أذواقها و “حريرتها ” وألوانها وجلابيبها وحجاباتها وبلاغيها وسبحاتها وعاداتها ومقاهيها وسهراتها وهواتفها ولغاتها…

 

فلا عجب أن نرى هذا الاختلاف في المظاهر مادام الاختلاف في المستوى المعيشي وفي الثقافة والوعي حاصلا، وهي عادات قد تسير في اتجاه تحويل العبادة إلى عادة ما لم تضاعف الجهود لتوعية الناس بالتمييز بينهما عبر المدرسة والإعلام والمسجد وغير ذلك مما له تأثير في تكوين الشخصية ، وأما الـسـرائـر فالله ، وحـده ، بـهـا أعـلـم .

 

وفي الأيام العشرة الأولى ، وهي، حسب ما يقول به علماء الدين ، أيام الرحمة ، ترى ، قبل العصر ، بعض علامات التأدب بين الناس يعبرون عنها بالتبريك والدعاء ، تتخللها أحيانا ” فلتات سوء سلوك دفينة ” من هنا أو هناك ،يطفئ نارها آخرون رزقهم الله الصبر والثبات ، وأما فترة ما بين العصر والمغرب ، في مدينة كالدار البيضاء ، فلا نكاد نصدق ما تعرفه حركة السير من هرجلة وازدحام لا يطاق ، وشتائم بالجملة وبالتقسيط ، وسباق نحو ” المجهول” أو الإفطار في أغلب الأحيان ، وأما قبيل أذان المغرب بنصف ساعة أو ربعها فلا يبقى شيء اسمه علامات تنظيم حركة السير ، إذ نرى علامة “قف” لا توقف ، ومن رآها لا يتوقف، وإذا أحس آخر بأنه سبقه يتأفف…وأضواء الإشارة تجتهد لحماية الألوان من الخفوت والبهتان إلى أن يتاورى اللونان الأصفر فالأحمر ، وينتصر لون واحد هو الأخضر ، ويظل لسان حال اللون الأحمر يردد : ” حذر حذر فأنا الأحمر لا أبقي ولا أذر” …بينما يقول الأصفر نادما باكيا : أهنت يوم أهين الضوء الأحمر!….

 

أو ليس من حقنا ، ومن خلال ما يحصل في شهر رمضان الفضيل ،وفي غيره ، أن نسائل أنفسنا كما نسائل المسؤولين والجمعيات والأحزاب والمدارس والخطباء والشعراء والفنانين عن الأثر الإيجابي الذي تركه كل هؤلاء الفاعلون في المجتمع ، فما الفائدة من صياغة كلمات رنانة من قبيل الاحترام والاعتذار والصبر والحب والعدل والحق والقانون ، وما الهدف من ترديدها في المحافل والمناسبات و حين التكريم أو التأبين إذا لم نجد لها أثرا بيننا وفي سلوكنا ؟

 

نتمنى أن يكون الصيام والقيام هذا العام سبيلا إلى تغيير في النفوس ، وطمأنينة في القلوب ، ووعي في العقول.

 

وكل عام وأنتم بخير

 

حسن برني زعيم

Exit mobile version