بقلم الاستاذ برحايل عبد العزيز.
كلمة مستفزة، “عطاشة”، تشير إلى كل أستاذ ترك قسمه وشمر عن ساعده للقيام بعملية الإحصاء. كلمة تكشف الستار وتفرض على كل شريف أن يضع الانفعال جانبًا ويتساءل عن خلفيات تدوينة رجل عرفه الشعب المغربي فاضحًا لعورات الفساد والمفسدين، ومجندًا كل ما أوتي من حكمة ونزاهة لوصف الواقع المتأزم في بلادنا على جميع المستويات ليبني قناعة لدى كل متتبع للأحداث بأن البلاد تسير نحو الهاوية. من ينكر أن السواد الأعظم من المواطنين أصبحت قدرتهم الشرائية تعرف تقهقرًا مقلقًا؟ من ينكر أن المغاربة بدأوا يفقدون ثقتهم في المؤسسات المنتخبة؟ وضع جد حرج لا أحد يستطيع الدنو منه نظرًا لحساسيته، ولأن حكومة أخنوش تجند كل الآليات القمعية لإسكات الأصوات الحرة الغيورة على مستقبل البلاد.
خرجات عزيز غالي الإعلامية، بدون مبالغة، تبقى الأكثر كثافة. فجل المنابر الإعلامية التنويرية في البلاد، على قلتها، لا تستطيع الاستغناء عن خدمات عزيز غالي الذي يضحي بماله ووقته وصحته واستقرار أهله لينير العقول ويكشف الغطاء عن واقع مرير. إنه مناضل لا يكل ولا يصيبه ضجر في توعية شعب منهك بكرة القدم والتفاهة.
عزيز غالي بدون شرط، أينما كان الظلم تجده يناصر المقهور، وأينما كانت مسيرة للدفاع عن قضية تجده في الأمام. إنه إمام الشرفاء وداعم كل حنجرة تصدح بصوت الحق. دافع بشراسة عن حقوق الأساتذة عندما كانت هراوات الشرطة تكسر عظامهم. دافع عن أسرة التعليم عندما كانت النقابات تلوذ بالصمت . التاريخ لا يصاب بالزهايمر. سنة من السنوات العجاف التي مر التعليم المغربي منها. نعم، السنة المنصرمة الكل تضامن مع رجل التعليم، من جمعيات آباء وأولياء التلاميذ ومجتمع مدني. الكل ساند الحقوق المشروعة لرجال ونساء التعليم.
حقق رجل التعليم بفضل استماتته في النضال بعض ما يطمح إليه بفضل الورقة الرابحة التي لعبها بإتقان وذكاء، وهي ورقة التلميذ. ساند التلميذ رجل التعليم وخرج أيضًا إلى الشارع وطالب الدولة بإنصافه.
نعم، خرجت الشغيلة التعليمية منتصرة شبه ما ماديًا ولكن بطعم مر، حيث عوقب جل المناضلين الشرسين بالتوقيف دون أن يلتفت إليهم من كان البارحة يتبجح بالنضال ومقاومة الظلم. وعادت الشغيلة التعليمية إلى الأقسام عندما حققت الدولة مسعاها في ضرب صورة التعليم العمومي في مخيال الشعب وحثهم على التوجه إلى التعليم الخصوصي لكل من أراد لفلذات كبده تعليما بعيدًا عن المساومات والاستغلال . ضربة قاضية للتعليم عاشتها أيضًا أسر المتمدرسين زمن وباء كوفيد. لم يكن المغرب مستعدًا تكنولوجيًا وديداكتيكيًا لمواجهة هذه الأزمة. كل هذه العوامل أوقعت أضرارًا جسيمة في المستوى التعليمي ببلادنا. قامت الدولة بحلول ترقيعية لا يمكن أن تغير شيئًا على المستوى البنيوي للعملية التعليمية. كل ما وقع هو إقبال كبير من التلاميذ على حصص الدعم والهروب إلى المدارس الخصوصية.
وما يزيد الطين بلة هو تزامن الإحصاء مع الدخول المدرسي. صدق من قال المصائب لا تأتي فرادى. بدون مراعاة مصلحة التلميذ، قررت مندوبية التخطيط والإحصائيات الاستعانة برجال ونساء التعليم، ومن طبيعة الحال، وزارة التعليم أجابت بأن لها جيوشًا مجيشة لخدمة الوطن.
في هذا السياق أتت كلمة عزيز غالي التاريخية الذهبية، “العطاشة”. لقد كان عزيز غالي جد محتشمٍ في اختصار المهزلة بكلمة واحدة فقط تكشف العورات والمستوى الهزيل لكل من لم يستطع تقبل الواقع المرير. إنه السياق الذي يحدد عمق الكلمة وقوتها. لو كان التلميذ المغربي في حالة تعليمية طبيعية لما نطق عزيز غالي بهذه الكلمة. التلميذ المغربي مريض معرفيًا. حالات الغش خير دليل.
عملية الإحصاء سهلة ولا تتطلب مهارات أكاديمية، والموارد البشرية في البلاد يمكن أن تغطي هذه العملية بشكل كافٍ. كان ممكنًا أن يفتح نقاش نقابي وحقوقي يشارك فيه المجتمع المدني للخروج بقرارات مسؤولة. على أي حال، أخذ الأساتذة الذين قبلوا المشاركة في الإحصاء قرارهم المنبثق من قناعاتهم. سيكونوا في منأى عن الاقسام وضامنين لأجرتهم وعمل إضافي يمكن أن يقتنوا به ثلاجة أو آلة غسيل. وحال لسان هذا الأستاذ: “إنها خدمة الوطن. التلميذ مستأنس بالإضرابات والاحتجاجات. وهل المرأة الأرملة تخاف من الرجل؟”
سلوك استفز عزيز غالي وأطلق عبارته الشهيرة، “العطاش”. عزيز غالي يعلم علم اليقين أنه سيحارب من كل أعداء كلمة الحق. كم هي مؤلمة كلمة الحق. النقابات ستحاربه، ويعلم الأستاذ الذي شارك في الإحصاء أن هذه النقابات خذلته، ووقف في صفه عزيز غالي. الذباب الإلكتروني سيتناسل لأنها فرصته الذهبية، فهم يقتاتون من المياه العكرة. على أي حال، عزيز غالي الغالي في قلوب المغاربة لن يزعجه أحد، فهم مقتنع بأنه في بلدنا المغرب، كلمة الحق ضريبتها غالية، والضربات التي تلقاها هذا الرجل كثيرة، حتى ينطبق عليه قول المتنبي:
رماني الدهرُ بالأرزاءِ حتّى
فؤادي في غشاءٍ من نِبالِ
فصرْتُ إذا أصابتني سِهامٌ
تكسّرتِ النِّصالُ على النِّصالِ
وهانَ فما أُبالي بالرزايا
لأنّي ما انتفعْتُ بأن أبالي.