علاقة المغرب بفرنسا هل هي نهاية الزواج الكاثوليكي؟

علال بنور

منذ بداية القرن العشرين، كانت الدولة المغربية والنخبة السياسية ترفض التحديث والحداثة والذي شكل ارتباطا بالمستعمر الفرنسي، واليوم مع التحولات الدولية والإقليمية، هل يمكن للمغرب ان يحول علاقته بفرنسا الى علاقة إيجابية منتجة ام علاقة طلاق نهائي؟ “بعد الاستقلال السياسي للمغرب عن فرنسا،” او هكذا يبدو لنا «، بدا التفكير في خلق علاقة جديدة تقوم على الند للند، على الأقل في مستوى الخطاب السياسي، لكن على مستوى الفعل، وقف المغرب في علاقته مع فرنسا بين الرفض والقبول، لذلك ظلت مواقف المغرب في اتجاه فرنسا متأرجحة خارجة عن وضعية الازمات.


ان النقاش الدائر اليوم، والذي يقوده المجتمع الحقوقي مع النخبة المثقفة المغربية، يتموضع في موضوع. كيف نعيد التفكير في علاقتنا مع فرنسا باعتبارها مستعمر قديم وحليف اقتصادي منذ الاستقلال الى اليوم؟
اليوم بات من المؤكد ،ان علاقة المغرب بفرنسا يشوبها التوتر، في سياق التوترات الدولية والإقليمية في علاقة المغرب بدول شمال افريقيا والجارة الجزائر مع حليفها الخفي موريتانيا ،وفي مستوى اخر من التوترات ،دخلت فرنسا في ازمة علاقات مع مستعمراتها السابقة بإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ،فظهر نقاش حاد ببعض دول افريقيا ،يقوده شباب منتظم في اطار جمعيات مدنية وحقوقية ،في الدعوة وبإلحاح الى إعادة النظر في علاقة افريقيا مع فرنسا ،نموذج لقاء الرئيس الفرنسي ماكرون في ندوة مع بعض شباب افريقيا ،والذي أذاعته بعض القنوات الفرنسية ،فتمحور النقاش حول علاقة فرنسا بدول افريقيا جنوب الصحراء ،فبات من الضروري ان افريقيا في حاجة الى بناء متكافئ مع فرنسا وليس علاقة الوصاية المرتبطة بفرض القرارات السياسية والاستغلال الاقتصادي .
وفي سياق اخر، ان الاتفاقية الثلاثية التي وقعها مؤخرا المغرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل ،خلقت ازمة وارتباك لفرنسا ،فزادت من درجة التوتر في السياسة الفرنسية المغربية ،كما زاد من قلق فرنسا حول علاقة التفاهم بين المغرب واسبانيا ،الذي تلا ازمة المغرب مع اسبانيا عندما احتضنت هذه الأخيرة إبراهيم غالي زعيم البوليساريو، غير ان هذه الازمة لم تدم طويلا ،الشيء الذي جعل فرنسا تحس انها لم تبق المحتضن للمغرب ، فكان رد فعلها الخفي زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر وحرمان الطلبة ورجال الاعمال والمواطنين لزيارة عائلاتهم او للسياحة من الحصول على تأشيرة الدخول الى فرنسا ،هذا المنع تحججت به الحكومة الفرنسية ان المغرب رفض ارجاع المغاربة المطرودين قضائيا بأفعال جنائية ،وصل عددهم اكثر من 3000 مغربي .
وفي نفس السياق، رتب المغرب انفتاحه صناعيا وماليا على بعض دول افريقيا، كما انفتح على المانيا وهولندا واليابان التي منحها المغرب حق بناء السكة الحديدية الممتدة من مراكش الى اكادير، الخاص بالقطار السريع T G V.
فأصبح من الضروري اليوم على الحكومة المغربية ونخب الدولة، التفكير في بدائل للدفع بفرنسا الى إعادة النظر في السياسة الاستعمارية التي لا زالت فرنسا تفكر بها اتجاه المغرب، والذي لم يعد مغرب بداية القرن العشرين، فالنموذج الفرنسي الذي اعتمده المغرب في اقتصاده وتعليمه وثقافته واعلامه وادارته ودستوره، لم يعد مقبولا في المغرب اليوم، فهذا النموذج لم تعد له مطابقة اصلا.
ان الصراع الصامت بين المغرب وفرنسا متعدد الصور في صورة واحدة، يمكن ان نلخصها في سؤال. هل أصبح من الضروري التخلي عن النموذج الفرنسي نهائيا على أساس تبني نموذج اخر ام التقليص منه فقط؟
هل قرارات الفكاك من التبعية لفرنسا مطروحة فقط على الجمعيات الحقوقية والنخب المثقفة، ام المسالة باتت ضرورة ملحة على الدولة؟ ولماذا لم يطرح الفكاك مع فرنسا منذ سنوات ولماذا اليوم؟؟ وهل فرنسا تريد مقايضة المغرب على سيادته وامنه، وبالتالي اللعب على وتر الصراع المغربي الجزائري؟
يقول مصطفى المنوزي في احدى مقالاته “وما النقاش المثار هذه الأيام حول علاقتنا (المغرب) مع الجوار والاستعمار، في ظل طموح الدولة المغربية نحو إيجاد موقع جيوستراتيجي، يضمن ندية منصفة وتنافسية عادلة، تحفظ ماء الوجه على مستوى السيادة والكرامة الوطنيتين. وما هذا النقاش، الا دليل على صحوة ضمير (ليس بالمعنى الثيولوجي او النفحة الدينية)، تقتضي التوطين حداثيا، وهو امر يتجاوز نزوة فك الارتباط التكتيكي، والتي تتجاوز عتبة تقوية الموقع التفاوضي”.

Exit mobile version