الهجرة من جنوب الصحراء إلى المغرب تحديات وتداعيات على الواقع الاجتماعي والاقتصادي

بقلم: عبد الحكيم البقريني
في السنوات الأخيرة، شهد المغرب تصاعدا ملحوظا في موجات الهجرة غير النظامية من دول إفريقيا جنوب الصحراء، حيث أصبح بلد العبور وجهة للإقامة بالنسبة لآلاف المهاجرين الباحثين عن فرص حياة أفضل أو الهاربين من النزاعات، الفقر، وانعدام الاستقرار السياسي في بلدانهم الأصلية.
ورغم الجهود الحكومية والإقليمية المبذولة لإدارة هذه الظاهرة، فإن الاستقرار غير الشرعي لعدد كبير من المهاجرين بات يطرح تحديات معقدة تتقاطع فيها الأبعاد الإنسانية مع القضايا الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
تشير تقارير الهجرة الدولية إلى أن أسباب النزوح متعددة: فقر مدقع، بطالة، اضطرابات سياسية، صراعات عرقية، وتغيرات مناخية تؤدي إلى تدهور البيئة الزراعية. وبالنظر إلى الموقع الجغرافي للمغرب وقربه من أوروبا، أصبح بمثابة “ممر الأمل” أو “المحطة الأخيرة” قبل عبور البحر نحو الضفة الشمالية للمتوسط، وإن كانت محاولات العبور كثيرًا ما تنتهي بالفشل أو الموت.
لم تعد المدن الكبرى مثل الرباط، الدار البيضاء، طنجة، وفاس مجرد محطات انتظار، بل تحولت إلى مراكز استقرار دائم للعديد من المهاجرين. ويستقر بعضهم في أحياء هامشية وظروف معيشية صعبة، دون أوراق قانونية أو حماية اجتماعية، مما يعقّد من إمكانية إدماجهم في سوق الشغل أو استفادتهم من الخدمات الصحية والتعليمية.
يسبب هذا التواجد غير المنظم عدة إشكالات، من أبرزها:
– الضغط على الخدمات العمومية مثل التعليم والصحة، ما يُشعر بعض المواطنين المحليين بالتهميش.
– انتشار البطالة، حيث يلجأ بعض المهاجرين إلى القبول بأجور متدنية في السوق غير النظامي، مما يزيد من التنافسية غير العادلة.
– مظاهر الانحراف والجريمة، حيث رُصدت حالات مرتبطة ببعض شبكات الإتجار بالمخدرات أو السرقة، على الرغم من أن غالبية المهاجرين لا يتورطون في الجريمة.
– توترات اجتماعية ناجمة عن اختلافات ثقافية أو عنصرية أحيانًا، تثير احتكاكات بين السكان والمهاجرين.
في مقابل هذه التحديات، تبنّى المغرب منذ 2013 سياسة جديدة للهجرة واللجوء، ترتكز على تسوية الوضعية القانونية لآلاف المهاجرين، وتمكينهم من الاندماج في المجتمع المغربي، من خلال برامج للتكوين المهني، التعليم، والدعم الصحي.
غير أن هذه السياسة تواجه محدوديات على أرض الواقع، بسبب ضعف الموارد وصعوبة تتبع أوضاع المهاجرين غير المسجلين، فضلًا عن الضغوط الأوروبية التي تدفع المغرب للعب دور “الشرطي الحدودي” لمنع تدفق المهاجرين إلى الشمال.
الهجرة من إفريقيا جنوب الصحراء إلى المغرب واقع لا يمكن تجاوزه أو التعامل معه بمنطق أمني فقط. فالحل يتطلب رؤية شمولية تنطلق من معالجة جذور المشكلة في بلدان المنشأ، مرورًا بسياسات إدماج عادلة وإنسانية في المغرب، وانتهاءً بتعاون دولي حقيقي في إطار من المسؤولية المشتركة والتضامن.