أخبار عامة

تاونات: إقليم السدود والأنهار يعاني من العطش!

بقلم: عبد الحكيم البقريني

في مشهدٍ يعبّر عن مفارقة صارخة، يرزح إقليم تاونات – الغني بثرواته المائية – تحت وطأة العطش، حيث تعاني ساكنته من انقطاعات متكررة في الماء الصالح للشرب، بل ومن غياب تام له في بعض المناطق. يحدث هذا في منطقة توصف بأنها “خزان الماء الوطني”، حيث تتناثر السدود والأنهار وتتفجّر العيون من بين الصخور.

يتوفر إقليم تاونات على ثروة مائية هائلة، بفضل موقعه الجغرافي بين جبال الريف وسهول الغرب، إذ يحتضن عدة سدود استراتيجية من أبرزها سد الوحدة – الأكبر في المغرب والثاني في إفريقيا – إلى جانب سدود أخرى كالسدود “أسفالو”، و”بوهودة”، و”الساهلة”، فضلًا عن شبكة واسعة من الأودية والأنهار، من بينها وادي ورغة ووادي أولاي واسرى وأمزاز…

كما يتميّز الإقليم بفرشة مائية مهمة، وبتساقطات مطرية منتظمة نسبيا، ما يجعله من أغنى أقاليم المملكة من حيث الموارد المائية. غير أن هذه الوفرة تقابلها إدارة غير رشيدة، وإهمال مزمن لمطالب السكان.

في السنوات الأخيرة، أضحت أزمة العطش إحدى أبرز الإشكالات التي تؤرق سكان الإقليم. فالعديد من الجماعات القروية – بل وحتى بعض المراكز الحضرية – تعاني من ضعف أو انعدام التزود بالماء، ما يضطر السكان إلى اللجوء للآبار المهجورة أو قطع كيلومترات لجلب الماء من عيون بعيدة، في ظروف غير إنسانية، خصوصًا في مواسم الجفاف والصيف.

وقد عبّر العديد من المواطنين في احتجاجات متفرقة عن غضبهم من هذا الوضع، رافعين شعارات تطالب بالحق في الماء، باعتباره حقا دستوريا وإنسانيا. لكن، وللأسف، تصطدم هذه المطالب بتجاهل المسؤولين السياسيين، وانشغالهم بمعارك انتخابية أو حسابات ضيقة لا تراعي أولويات السكان.

يرى متابعون أن أزمة الماء في تاونات ليست نتيجة قلة الموارد، بل هي ثمرة لسياسات غير منصفة، وغياب رؤية تنموية مندمجة. فالإقليم الذي يزوّد مناطق شاسعة من المغرب بالماء، لا يجد من يزوّده بشبكات توزيع محترمة، ولا بمحطات معالجة كافية تضمن وصول الماء الصالح للشرب لكل منزل.

وإزاء هذا الواقع، يتساءل السكان: كيف يعقل أن نعاني من العطش في إقليم تتدفق مياهه في اتجاه المدن الكبرى؟ ولماذا لا يُعطى هذا الملف أولوية قصوى من قبل ممثلي الأمة والمسؤولين الإقليميين والوطنيين؟

يتطلب الوضع في تاونات تدخلا سريعا من قبل الدولة، على مستويات متعددة: تقوية البنية التحتية المائية، تأهيل شبكات التوزيع، إنشاء محطات جديدة لتحلية أو معالجة المياه، وتبني سياسة جهوية عادلة تضمن الاستفادة المحلية من الثروات.

كما أن الرهان الحقيقي يتمثل في محاسبة المسؤولين عن الإهمال المتكرر، والعمل على إشراك المجتمع المدني والساكنة المحلية في التخطيط المائي، بما يعكس أولوياتهم ويصون كرامتهم.

تاونات، الإقليم الذي يفيض بالماء… يعطش أهله! إنها المفارقة التي تختصر خللا بنيويا في تدبير الموارد، وفجوة عميقة بين الإمكانات الطبيعية والإرادة السياسية. فهل آن الأوان لردّ الاعتبار لهذا الإقليم العريق، وإنصاف ساكنته التي تعاني بصمت؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى