مجتمع

جمعيات أولياء التلاميذ… أسئلة مشروعة في زمن الاحتجاجات التربوية.

بقلم: عبد الحكيم البقريني

في خضم الجدل المتزايد حول العطلة الصيفية وجدولة الزمن المدرسي، تتعالى أصوات كثيرة للتساؤل عن الدور الحقيقي لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، وهي الهيئات التي يُفترض أن تكون حلقة وصل حيوية بين الأسر والمؤسسات التعليمية، لكنها – في نظر الكثيرين – باتت غائبة عن قضايا التعليم الجوهرية، أو متورطة في قضايا هامشية لا تخدم مصلحة التلميذ.

ففي ظل الاكتظاظ المهول داخل الفصول الدراسية – حيث يُكدّس أحيانًا أكثر من 40 أو 50 تلميذًا في القسم الواحد – ما هو موقف هذه الجمعيات؟ وأين تدخلها للدفاع عن حق أبنائنا في تعليم كريم؟ وهل يليق بجمعيات تمثل الأسر أن تصمت إزاء هذا التراجع الخطير في ظروف التمدرس؟

الأمر لا يقف عند المدارس العمومية، بل يمتد إلى المؤسسات الخاصة، حيث يُكدّس التلاميذ في وسائل نقل متهالكة تفتقر لشروط السلامة، بينما تستمر الأسعار في الارتفاع دون أي تدخل من هذه الجمعيات التي من المفترض أن تراقب وتدافع عن مصلحة الأسر، لا أن تلتزم الصمت.

وما يزيد المشهد قتامة، هو انتقائية بعض المدارس الخاصة في تسجيل التلاميذ، حيث لا يُقبل إلا “المتفوقون” ممن يحصدون نقطًا مرتفعة، بينما يُترك الآخرون – بمستويات متفاوتة واحتياجات خاصة – للمدارس العمومية التي تتحمل العبء كاملاً، بلا دعم، ولا إمكانيات.

نسائل هذه الجمعيات أيضًا عن دورها في المطالبة بتجهيز الأقسام الدراسية بالمعدات الضرورية، وعن تدخلها لتوفير بيئة مدرسية لائقة: ماء، كهرباء، فضاءات للأنشطة، مرافق صحية. فهل يعقل أن يستمر تلاميذ في العالم القروي بلا نقل مدرسي، ولا مطاعم، ولا داخليات، وحتى بدون حطب للتدفئة أو مراحيض؟ أي تعليم هذا الذي يُقدَّم في أعالي الجبال وفي ظروف لا تليق بالكرامة الإنسانية؟

ثم أين هي هذه الجمعيات من مبادرات الدعم التربوي والنفسي والاجتماعي التي تحتاجها آلاف التلميذات والتلاميذ، خصوصًا بعد أزمات متتالية أثرت على صحتهم النفسية والتعليمية؟ لماذا لا نراها تنخرط في العمل التطوعي الحقيقي بدل الاقتصار على المناسبات والبروتوكولات الشكلية؟

أسئلة أخرى تطرح نفسها بإلحاح: ما موقف الجمعيات من استمرار المدارس الخاصة في فرض أداء شهر يونيو رغم التوقف المبكر للدروس؟ وما رأيها في تنامي مشاريع التعليم الخصوصي وبيع عقارات المدارس العمومية في صفقات تثير أكثر من علامة استفهام؟

بل إن الغياب عن الاجتماعات المدرسية أصبح سمة بارزة، وكأن الجمعيات تكتفي بالوجود الشكلي، في حين يمنع بعضها في المدارس الخاصة أو يُسيّج بهوامش لا تتيح له أداء دوره التمثيلي الحقيقي.

ولعل أكبر المهازل هو ما تشهده مؤسسات الريادة من تسطيح للمعارف، وتغييب تام للحس النقدي، ترى ما موقف الجمعيات من هذا التراجع والردة التعليمية ؟

ولعلّ من أبرز ما أثار الاستغراب في الآونة الأخيرة، هو تصريح غير مسؤول لرئيس إحدى الجمعيات، يقول فيه إن عطلة نهاية الموسم الدراسي تمتد لأربعة أشهر! تصريح أقل ما يقال عنه إنه تسطيح للمشهد التربوي وضرب لانتظارات الأسر والفاعلين التربويين.

إننا اليوم في حاجة إلى جمعيات فاعلة، حقيقية، تترافع على القضايا الكبرى للتعليم، وتكون صوتًا حيًا للأسر والتلاميذ، لا مجرد ديكور إداري يُستحضر في الاجتماعات ويُغيب في الفعل.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى