حين تُعيد بعض الوجوه المضيئة رسم ملامح الأمل داخل الإدارة المغربية

تحرير ومتابعة/ سيداتي بيدا
في وقت يتزايد فيه التذمر من تعقيدات الإدارة، ومن غياب الإنصات، ومن تفشي البيروقراطية، تظهر نماذج استثنائية تعيد الثقة في المؤسسات، وتُثبت أن التغيير ليس وهمًا، بل ممكن حين تكون الإرادة حقيقية.
هذه الإرادة التي يُجسدها بكل وضوح صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي ما فتئ يؤكد، في خطبه وتوجيهاته، أن الإدارة يجب أن تكون في خدمة المواطن، وأن الكفاءة، والعدالة، واحترام المرتفق، هي مفاتيح مغرب الغد. تحت قيادته الرشيدة، يسير قطار الإصلاح بثبات، وعلى متنه مسؤولون استثنائيون قرروا أن يكونوا فعلاً في مستوى تطلعات هذا الوطن.
واحدة من هذه النماذج اللامعة هي السيدة سميرة دوربان، باشا منطقة المنارة بمدينة مراكش. امرأة بصمت على تجربة إدارية استثنائية، لا تُشبه كثيرًا ما ألفه المواطن المغربي. فكل من قصد مكتبها، خرج بانطباع واحد: هنا لا ظلم… لا محسوبية… لا بيروقراطية… هنا إدارة تُحترم، ومسؤولة تُنصت.
منذ اللحظة الأولى لدخول مكتبها، يشعر المرتفق بأنه في مكان آمن، هادئ، تسوده الإنسانية والتعامل الراقي. لا وجود لأصوات مرتفعة، ولا تعالٍ في اللغة، ولا تعامل فوقي. بل استماع باهتمام، وحرص على فهم المشكل، وتقديم الحل، أو على الأقل توضيح المساطر والحقوق بلغة بسيطة تجعل حتى غير المتعلمين يشعرون بالاطمئنان.
سميرة دوربان ليست فقط باشا… إنها نموذج حي لمسؤولة تحمل الوطن في قلبها قبل أن تحمله على كتفيها. لا تفرّق بين الناس، ولا تنظر إلى مظهر أو وضع اجتماعي. الجميع عندها متساوون، والكل مرحّب به. فكثيرون ممن دخلوا مكتبها محبطين، خرجوا وقد تبدل حالهم: لا لأنهم نالوا امتيازًا، بل لأنهم وجدوا من ينصت لهم، ويشرح، ويقدّر مشاعرهم، ويعاملهم باحترام.
هذا السلوك الإداري لا يُولد صدفة. إنه ثمرة تربية، ووطنية، وإيمان صادق بأن الإدارة ليست سلطة فوق المواطن، بل أداة لخدمته. لذلك، لا عجب أن تحظى السيدة دوربان باحترام واسع من ساكنة مراكش، بل وحتى من موظفي الإدارات الأخرى، الذين يرون فيها قدوة إدارية نادرة.
وفي سياق هذا الإصلاح المتنامي، تبرز أيضًا نماذج نسائية مشرّفة أخرى، مثل السيدة فتيحة العروسي، مديرة ثانوية علال الفاسي الإعدادية باليوسفية، التي جعلت من مؤسستها التعليمية نموذجًا يحتذى في حسن الاستقبال، والانضباط، والخدمة الفعالة للمرتفقين. فلا محسوبية، ولا زبونية، ولا تأخير. فقط عمل متواصل من أجل كرامة التلميذ وولي أمره.
فتيحة العروسي ليست مجرد مديرة مؤسسة تعليمية، بل هي قائدة حقيقية تؤمن أن المدرسة هي المعبر الأول نحو بناء الوطن. تتنقل داخل المؤسسة كأنها أمٌّ لجميع التلاميذ، تتابع، تسهر، تتدخل متى لزم الأمر، وتفتح أبواب مكتبها لكل من طرقه، دون حاجب أو موعد.
هي سيدة تُؤمن أن المدرسة ليست فقط مكانًا للتعلم، بل فضاء لغرس القيم، ولزرع حب الوطن، ولتكوين جيل واثق، معتز، قادر على صعود قطار الإصلاح والمساهمة في مستقبل المغرب.
من يراها في عملها اليومي يُدرك أن القيادة ليست سلطة، بل مسؤولية، وأن الانضباط لا يتحقق بالأوامر بل بالمثال. لذلك، لا غرابة أن تحظى باحترام الطاقم التربوي، ورضى الآباء، وتقدير التلاميذ.
وعلى امتداد خريطة الوطن، نجد نماذج أخرى لا تقل إشراقًا: في القضاء، رجال نزهاء على رأسهم الوكيل العام للملك في العيون ومراكش، وفي الأمن الوطني ضباط ميدانيون مثل مراد.ب، وفي الدرك الملكي الشرفاء عمر.أ وحاتيم.ل، وغيرهم كثيرون ممن صعدوا إلى قطار الإصلاح وقرروا أن يكونوا جزءًا من هذا الوطن النابض بالحياة.
هؤلاء لا يبحثون عن الكاميرات ولا عن التصفيق. إنهم فقط يؤمنون بشعار: “الله، الوطن، الملك”، ويترجمونه إلى أفعال يومية، فيها نكران الذات، وفيها احترام المواطن، وفيها كرامة الدولة.
إن تجربة السيدة سميرة دوربان، والسيدة فتيحة العروسي، وغيرهما من الأطر الصادقة، ليست مجرد حالات فردية، بل أدلة حية على أن مغربًا جديدًا مُمكن. مغرب نحتاج فيه إلى نساء ورجال على شاكلتهم في كل جماعة، وكل إدارة، وكل وزارة، حتى تصبح الثقة في المؤسسات واقعًا لا شعارًا.
فهل نملك الشجاعة لنُعمم هذا النموذج، بدل أن يبقى استثناءً؟