أخبار عامة

شغب المتعلمين الأسباب والحلول

بقلم: عبد الحكيم البقريني

المدرسة فضاء للتربية والتعليم، وبها يتلقّى التلاميذ القيم والمعارف التي تؤهلهم للحياة الاجتماعية والمهنية. بيد أن غالبية المؤسسات التعليمية في المغرب حادت عن هذه الرسالة خلال السنوات الأخيرة، إذ حلّت بها ظواهر مقلقة تهدد استقرارها وأداءها، ومن ثمّة رسالتها، وهي شغب المتعلمين، الذي اتخذ أشكالا متعددة، منها: العنف اللفظي والجسدي، والتخريب، وعدم احترام الأساتذة والزملاء على حد سواء.

 

يعزى شغب التلاميذ في المدارس المغربية لمجموعة من العوامل المتداخلة، ومنها: العوامل الأسرية والاجتماعية؛ حيث يعيش بعض التلاميذ في بيئات أسرية مفككة بسبب الطلاق أو الاهمال، مما يدفعهم إلى التعبير عن غضبهم، وتمرّدهم على واقعهم داخل الفصول الدراسية. فالظروف الاقتصادية الصعبة ساهمت في زيادة الضغط النفسي لديهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للتمرد. كما أن ضعف التأطير التربوي الذي تعاني منه مجموعة من المؤسسات التعليمية والذي يظهره، نقص الرقابة، وعدم نهج سياسة الزجر في التصدّي للمخالفات، مما يفتح المجال لسلوكيات غير منضبطة. هذا دون أن ننسى ضعف العلاقة بين المعلمين والتلاميذ، مع غياب الحوار والتواصل الفعّال، وهو الأمر الذي يشعر التلاميذ وخاصة المراهقين منهم بالتهميش، فيلجؤون إلى الشغب كوسيلة للفت الانتباه. هذا دون أن نغفل تأثير التكنولوجيا وما نشرته من سلوكيات عنيفة، وأخرى غير أخلاقية، ولا تعبّر عن البيئة الوطنية، ما يجعل التلاميذ يقلدونها داخل المدرسة. هذا دون أن ننسى أن الإدمان على هذه الألعاب الالكترونية العنيفة أثّر سلبا على سلوكهم الاجتماعي. فضلا عن ضعف التحصيل الدراسي يدفع بعض التلاميذ غير القادرين على مجاراة متطلبات الدراسة إلى الشغب. بالإضافة إلى المناهج التقليدية التي تفتقر إلى التنشيط والتفاعل.

 

ولمواجهة هذه الظاهرة، لا بد من اعتماد مقاربة شمولية قائمة على تعزيز دور الأسرة، وذلك بتوعيتها بأهمية أدوارها في تربية الأبناء على القيم، وتعزيز التواصل معهم، حتى لا يشعر التلميذ بالإهمال وبالفراغ العاطفي. بالإضافة لتحسين العلاقة بين التلاميذ وأساتذتهم، وهذا لن يتأتى إلا بمتعلّم مفعم بالقيم، والاشباع العاطفي من أسرة حاضنة بحبّ. بعدها ينبغي على المدرسين تبني طرق وأساليب تدريس حديثة تعتمد على الحوار والتحفيز بدلا من العقاب والترهيب. ومن المداخل أيضا مراجعة وإصلاح المناهج التعليمية، بتجديدها وجعلها أكثر تفاعلية، مركّزة على تعزيز الأنشطة الموازية، وإرساء الحياة المدرسية التي تساعد التلاميذ على تفريغ طاقاتهم. هذا دون إغفال تعزيز الرقابة والانضباط داخل المدارس، بحذف ما يطلق عليه رجال ونساء التعليم مذكرة البستنة، كما يجب وضع آليات فعالة لضبط النظام داخل المؤسسات التعليمية، ومنها تفعيل دور المجالس التأديبية، واحترام ما تتخذه من قرارات، حتّى وإن قامت بتشديد العقوبات على السلوكيات المشينة، هذا دون إغفال الجانب التربوي والتوجيهي، والدعم النفسي والاجتماعي كلما اقتضت الضرورة. وأخيرا المؤسسات التعليمية مطالبة بالاستفادة من التكنولوجيا بتوظيفها في خدمة التربية، عبر برامج توعوية، مع تسليط الضوء على القيم والمثل واحترام الآخرين.

 

إن شغب المتعلمين في المدارس المغربية تحدٍّ حقيقي يقتضي تدخلا صارما، بدءا من الأسرة والمدرسة وصولا إلى المجتمع ككل. فالتربية ليست مسؤولية المدرسة وحدها، بل هي عملية متكاملة تتطلب تعاونا مشتركا لبناء جيل مسؤول، بانٍ للوطن، يحترم النظام والقيم الأخلاقية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى