
بقلم: حسن برني زعيم
انهزمت لبؤات الأطلس مساء السبت 26 يوليوز 2025 أمام منتخب نيجيريا في نهائي كأس أمم إفريقيا للسيدات، وضاعت بذلك فرصة التتويج التاريخي بلقب قاري طال انتظاره، بعد مسار مشرّف وجماهير متحمّسة.
لكن الهزيمة، في ظاهرها رياضية، لكنها مرآة حقيقية تكشف التناقضات البنيوية في السياسات العمومية المغربية، حيث تصرف المليارات في بناء ملاعب عملاقة وتنظيم تظاهرات كبرى من كأس إفريقيا 2025 إلى الاستعدادات المشتركة لاستضافة كأس العالم 2030، بينما تنهار البنيات التحتية الصحية والتعليمية، وتغيب أبسط مقومات الكرامة كـالمراحيض العمومية في المدن الكبرى…!!!!!
الرياضة في المغرب: إنجازات متفرقة ووهم الهيمنة:
رغم الاستثمارات التي قد تبدو ضخمة في الرياضة، فإن المغرب لم يحقق ألقابًا كبرى باستثناء بعض اللحظات المتفرقة في كرة القدم، ألعاب القوى، وبعض الرياضات الفردية. وما بعض النجاحات مثل وصول لبؤات الأطلس لنهائي كأس إفريقيا إلا بذور لم تُجن بعد.
المرأة في الرياضة: رمزية غير متكافئة.
نسبة مشاركة النساء في الرياضة الرسمية تبقى ضعيفة جدًا، فغالبية اللاعبات يتم اكتشافهن في أوروبا وبعضهن من نواد متميزة أوبالصدفة والمجهود الفردي والأسري والجمعوي، وهو دليل على عدم وجود بنية تحتية داعمة في الداخل، إلى جانب ثقافة اجتماعية في بعض الأوساط تحد من تمكين المرأة رياضيًا.
الرياضة واستثمار وهمي: بين الواجهة والتخلف الحقيقي
الرياضة تستخدم كأداة تلميع سياسي داخلي وتسويق دولي، ترسم صورة “المغرب الحديث” في المؤتمرات الدولية، وتعزز موقعه الجيوسياسي كدولة ملتزمة بالاستقرار والتنمية. لكن هذا النجاح المضطرب يرتكز على خضوع المغرب للدول المهيمنة اقتصاديًا وماليًا، من خلال ” الإعانات ” والقروض مثل العلاقة مع البنك الدولي.
فبرامج التقشف والتعليم والصحة تمليها مؤسسات مالية دولية، ونتيجة ذلك هي:
• تقليص الإنفاق على الصحة والتعليم.
• تراجع خدمات أساسية كإصلاح المدارس والمستشفيات.
• تعميق الفوارق الاجتماعية خاصة في الجهات المهمشة.
في المقابل، نجد تمويلًا متزايدًا للمشاريع الكبرى ذات البصمة الإعلامية، مثل ملاعب كأس العالم وكأس إفريقيا، التي تُستعمل كواجهة تسويقية للحكومة، بينما المواطن يعاني من انعدام أبسط الخدمات في الصحة والتعليم والنقل .
ملف الهجرة: درك بشري وألغام اجتماعية.
تضاف إلى ذلك قضية الهجرة من دول جنوب الصحراء، حيث يتحول المغرب إلى مصفاة بشرية تخضع لضغوط أوروبية كبيرة لتصبح حاجزًا أمنياً يمنع المهاجرين من التسلل إلى أوروبا.
هذه السياسة أدت إلى تزايد عدد المهاجرين غير النظاميين، الذين صاروا يُنظر إليهم في المجتمع المغربي على أنهم خطر على الاستقرار الاجتماعي، وكأنهم قنابل موقوتة منتشرة في أحياء ومدن عديدة.
هذا التوتر يشكل عبئًا إضافيًا على الحكومة التي تحاول الحفاظ على صورة المغرب كبلد الاستقرار والتميز، لكنه واقع صعب ينعكس على العلاقات الاجتماعية ويثير مخاوف حقيقية، لا يمكن تجاهلها في أي نقاش وطني.
الواقع بين الداخل والخارج: الخضوع والواجهة.
في الخارج، يقدم المغرب نفسه كدولة نموذجية على الساحة الإفريقية والعالمية، وهو يعزز علاقاته بالدول الكبرى والحلفاء الغربيين، ويُحافظ على “رصيده” السياسي والاقتصادي في مقابل استمراره في سياسة الخضوع للمؤسسات المالية الدولية.
أما في الداخل، فتعيش الجماهير واقعًا مغايرًا: خدمات صحية متدهورة، تعليم هشّ، وأزمة سكن خانقة، بينما تُنفق أموال طائلة على “أكبر طاجين”، “أكبى كسكس”، و”أضخم ملعب”، و”أكبر بلغة” لتُغطي على حقيقة الفقر والتهميش.
وماذا بعد ؟
الاستثمار الحقيقي يبدأ من الإنسان.
انكسار لبؤات الأطلس في النهائي هو إشارة رمزية إلى الحاجة إلى مراجعة الأولويات، والانتقال من مشاريع “الواجهة” إلى استثمارات حقيقية في الإنسان: صحة وتعليم وسكن وكرامة.
الرياضة لن تكون وسيلة لتغيير الصورة إلا إذا رافقها تغيير جذري في السياسة الاجتماعية والاقتصادية، والحد من التبعية الاقتصادية التي تقيد استقلالية القرار الوطني، والتعامل بإنسانية وعدالة مع قضايا الهجرة التي تؤثر على نسيج المجتمع المغربي.ذلك لأن الصورة الحقيقية صورتان؛صورة داخلية تلمع الصورة الخارجية . وليس العكس.