ذ/علال بنور
كانت ليلة السبت 23 ابريل 2022 باذخة في عرسها الثقافي، حيث اجتمع التحليل الفلسفي بالنقد الادبي في رواية وادي اللبن، فكان اللقاء في موعده بمكتبة باريس بمدينة الجديدة، تحت رعاية السيد حسن صاحب المكتبة الذي هيأ أجواء ثقافية رمضانية، للعرض والتوقيع لرواية وادي اللبن، ومن جميل الصدف تزامن هذا اللقاء الثقافي، مع ذكرى 23 ابريل اليوم العالمي للكتاب.
بعد كلمة الترحيب بالحضور من طرف السيد حسن صاحب المكتبة، أخذ الكلمة رئيس الجلسة الدكتور عبد المجيد النوسي، ثم تلاه الدكتور السعيد لبيب، بعد ذلك أخذ الكلمة الأستاذ حسيب الكوش.
ركزت ورقة التقديم للأستاذ النوسي، على تقديم المؤلفات النقدية للأستاذ عبد اللطيف محفوظ، كما تساءل، كيف انتقل من النقد الادبي الى كتابة الرواية؟ فاعتبر أن رواية وادي اللبن تناولت معرفة في ازمنة وامكنة متعددة ،بلغة مشرفة شعرية وبمعجم كثيف ، بين فضاءات فاس واحوازها بمنطقة تيسة، كما اهتمت الرواية بالاحدات والوقائع التاريخية مع حضور جغرافية المكان في هندسة جمالية، فربطت احداث الرواية بين زمن تيسة الماضي والزمن الراهن ،بعد ذلك عرج الأستاذ النوسي في مداخلته ، على أن السارد يعتمد على العديد من التقنيات ، فيدخل القارئ في لعبة السخرية كعمل متخيل ، وفي نفس الوقت يعتمد على اليات الاقناع، في ارتباطها بقراءة النصوص التاريخية في علاقة تيسة بفاس ، يتحدث السارد عن فضاءات فاس بوصف رائع وبأسلوب الاقناع.
اما الأستاذ لبيب، فجاءت قراءته مركزة على مفاهيم ، سؤال الهوية وسؤال المعنى وسؤال الذاكرة ، فربط بينها ببعد فلسفي، مؤكدا في مداخلته على أن للرواية خصائص ،باعتبار كاتبها سيميائي، فطرح للنقاش أسئلة بمرجعيتها الفلسفية بحكم تخصصه ،مركزا على سؤال الهوية وسؤال المعنى وسؤال الذاكرة ،هذه الأسئلة اجتمعت بسؤال التاريخ ، فاعتبر وادي اللبن رواية في الشك حول الحياة والكينونة والموت .يدعونا السارد، أن لا نبحث عن الحقيقة ،فتتناسل الاحداث مع الذكريات، فيختلط الواقع بالخيال ،وتشكل الهوية التي يرمز اليها التاج المفقود، وهو موضوع قيمة ، مشتت حاضر وغائب، وبالتالي هو قيمة مجهولة المصدر.
يؤكد الأستاذ لبيب، أن السارد يضع القارئ في حالة تشويق الذي يحتمل القلق والبحث عن أشياء ماضية، حكاية معلقة، فالحكي والمعنى غير مترابطين وبدون استمرارية، فمجمع القبيلة صدمته قضية البحث عن الحقيقة، عندما طلب السارد البحث عن تاج السلطان المفقود.
في الرواية عوالم تحكمها الأوهام، التي اختلطت بالواقع، مثل قضية الهوية والواقع اختلطا بالتخييل، وفي مستوى اخر يتساءل السارد عن حقيقة الكتابة التاريخية المدونة والتاريخ الشفاهي، فماذا يمثل التاج؟ يجيب الأستاذ لبيب، هو قيمة في تركيبته، قيمة مشتتة بين الحضور والغياب، قيمة مجهولة المصدر، وفي الهوية البحث عن المتعة، جاءت بين الانتقال من التاريخ الواقعي الى التاريخ المتخيل.
في حين، ركز الأستاذ حسيب الكوش، في مداخلته معتبرا أن الرواية من صنف الرواية المعرفية، التي تعتمد على آلية الذاكرة بين الفردية والجماعية، فهي في صراع للبحث عن الحقيقة في وادي اللبن، كما أكد الأستاذ، أن هناك مجابهة بين السرد والحقيقة والسرد والتاريخ.
اعتبر الأستاذ الكوش، أن وادي اللبن نصا مركبا ومتراتبا، اعتمد على آلية الذاكرة الفردية والجماعية في نسق من العلاقات، فيها صراع الذاكرة بحثا عن الحقيقة، فكل الحكي، ارتبط بالبحث عن الحقيقة في احتمال وجود شيء غير محقق، فالمجابهة بين السرد والتاريخ / السرد والحقيقة حاضرة بقوة في الرواية، كما اعتبر أن السرد في الرواية يأخذ اتجاها جماعيا كما الحديث جماعي.
فمن خلال عودتي لقراءة الرواية، باحثا عن الأحداث التاريخية، استوقفتني الجغرافية، فطرحت السؤال عن علاقة المجال بالإنسان وعلاقتهما بالتاريخ في رواية وادي اللبن، كما استوقفني جغرافيا الفرق بين الواد والوادي، فكان الاصوب هو الوادي، باعتباره مجال أوسع من الواد، تتضمن الرواية ثماني ثيمات / عناوين، بمضامين خاصة في ترابط ابداعي، والتي اوحت لي بطرح أسئلة. هل موت الخال له علاقة بالأم خاصة أن ام الكاتب من تيسة؟ هل الفيضانات ساهمت في اتلاف التاج المبحوث عنه؟ ما هي الدلالة الرمزية في البحث عن تاج السلطان؟ لماذا منطقة وادي اللبن كانت ميدان حروب؟ لماذا ذاكرة المأتم في البداية والنهاية في وادي اللبن، ابتدأت بالبحث عن الحقيقة وانتهت باللغز.
علاقة السارد في القرية بشخوص متعلمين، هل معنى ذلك أن المدرسة كانت حاضرة في القرية؟ جغرافية المجال بقرية تيسة تغمرها الفيضانات، ماذا يرمز الماء بخسائره البشرية والحيوانية والمادية؟ ماذا يرمز الطريق الكثير الانعراجات التي سلكها السارد بسيارته بين تيسة وفاس؟ هل كان من دور لقبيلة لحياينة في مقاومة المستعمر، فحسب معرفتنا لتاريخ المنطقة، أن لحياينة لم يكن لهم دور في مقاومة المستعمر.
فحضور التاريخ في الرواية في فترة السعديين بمعاركه، والتي كانت تيسة ساحتها، ليس معنى ذلك، انها رواية تاريخية، بل هي رواية معرفية، أكد لي الكاتب على هامش الندوة، انه قبل الشروع في كتابة رواية وادي اللبن، أمضي وقتا كبيرا في قراءة تاريخ المنطقة، من اجل توظيفه في الرواية. ومن المثير في الرواية وجود تقنية “الفيد باك” أي المراوحة في الأزمنة والامكنة. مع حضور الزمن التاريخي كإشارات للأحداث في زمن السعديين ثم زمن العلويين مع احداث بوحمارة.
على هامش هذا اللقاء الثقافي، اعترف لي الأستاذ محفوظ، انه قبل البدا في كتابة الرواية، رجع الى قراءة المصادر والمراجع التاريخية، من بينها مقدمة ابن خلدون والاستقصاء للناصري.