متى يمكن الحديث عن الدولة الاجتماعية؟

علال بنور
في الآونة الأخيرة بين الأوساط السياسية والإعلامية ،بدأ الحديث اليوم عن الدولة الاجتماعية فانتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي ،وكأنها الحل السحري للقضايا الاجتماعية من التغطية الصحية والشغل والتعليم ، هذه القضايا التي نعتبرها أساسية في أي بناء اجتماعي ،وللأسف ،روج لها بالكذب اثناء الدعاية الانتخابية ،على أساس الحد من ظاهرة الفقر واجبارية التعليم الاولي والتامين الاجباري الصحي واحداث نظام جديد للمعاشات في صندوق واحد عوض تعدد الصناديق ، ودعوة المهنيين والتجار الصغار والحرفيين للانخراط في صندوق الضمان الاجتماعية.
هل هذه الحلول للمشاكل الاجتماعية المتراكمة هيأت لها حكومة 8 شتنبر 2021 الشروط الأساسية لإنجاحها، ام هي حلم ودعاية مجانية وذر الرماد في العيون وعملية تسكينية لإطفاء الغضب، المعبر عن المطالب الاجتماعية؟ ام هي بالفعل منعرج جديد في السياسة العامة للبلاد؟ ام هي دعوة لتعويض الفراغ الحاصل في صناديق التضامن على راسها صندوق التقاعد؟ وهل الدعوة للدولة الاجتماعية اعلانا لإفلاس الدولة السياسية؟ وهل الدولة الاجتماعية جاءت لتصحيح وانقاد افلاس السياسة التعليمية وتردي قطاع الصحة، وانقاد العاطلين من الظلم الذي لحقهم؟ والاسئلة كثيرة طال انتظار الإجابة عنها.
عندما يتوافر نضج الشروط الموضوعية والذاتية، تحيل الدولة الاجتماعية على الدولة الوطنية ودولة المواطنة ودولة المؤسسات، وبالتالي نجد تأصيل البناء الديمقراطي وممارسة مبدا العدالة الاجتماعية والعدالة المجالية وحق مبدأ المساواة، تلك تعتبر أسس الدولة الاجتماعية.
تأكد ،في ارتباط المطلب الاجتماعي الملح بالواقع المعيش ،أن الدولة الاجتماعية ليست نصوصا وخطابات وكلام صالونات البورجوازية الصغيرة ،التي لازمها الباحثون عن الاسترزاق الإعلامي والصحافي، بعيدا عن مطالب الشعب الذي يصارع من اجل قوته اليومي .لذلك فالمطلوب من الدولة الاجتماعية ،إعادة صياغة وتربية وتكوين البنيات الاجتماعية الجائعة والمتعطشة لحقوقها ،على أسس المواطنة الحق والحرية ،وليس ترويجا لشعارات فارغة .فالمطلوب لبناء هذا النوع من الدولة الاجتماعي، يقتضي هدم ذلك الجدار العازل الموروث والمبني حاليا بين العالية والسافلة من المجتمع، والحد من اقتصاد الريع والصناديق السوداء والحد من الضرائب المتزايدة، والمثقلة لكاهل الماجورين والهامشيين ،والبحث عن مصادر جديدة للثروة، لتوزيعا بشكل عادل بين السكان .واعادة النظر في منظومة الأجور على قاعدة اعفائها من ضريبة الدخل بما فيهم من المتقاعدين.
فالدولة الاجتماعية المواطنة، هي تلك التي لا تتصدق على المواطنين، بل تعلمهم كيف ينتجون الثروة بطرق مشروعة، وهي تلك التي تسعى للحد من فوارق الأجور والانهاء مع الامتيازات مقابل خدمة خاصة، والحد من الأجور العالية بدون خدمات تقدم للوطن والمواطن الذي يعيش على الهامش.
وهي التي تصون كرامة المواطن في الشغل والسكن والصحة والتعليم والترفيه، بمعنى، أن الدولة الاجتماعية تعطي الاسبقية في السياسة العمومية للقطاعات الاجتماعية، بمخطط يراعي أولويات القطاعات الاجتماعية، كالنموذج النمساوي او الإسكندنافي.
الدولة الوطنية / الاجتماعية، هي تلك التي تخلق الإحساس بالأمن والأمان للمواطن في حياته اليومية والمستقبلية، فهي تخدم كل المواطنين سواسية، وهي تلك التي تربط مبدأ المسؤولية بالمحاسبة، وهي التي تحمي الموظف الغيور على وظيفته وليس جزره عندما يفضح الفساد، كما يقع للعديد من الموظفين الذين يطالبون بتحسين الخدمات فيوبخون او يفصلون عن وظيفتهم، والنماذج كثيرة، كما حصل لبعض الأطباء الذين يحاصرون عند فضحهم لمظاهر الفساد، والا لماذا يهاجرون بأعداد الى خارج الوطن؟ ان الدولة الاجتماعية، هي تلك التي تخلق مشاريع منتجة اقتصاديا ومفيدة اجتماعيا، ومن غير ذلك يبقى مفهوم الدولة الاجتماعي، لا هي وطنية ولا مواطنة بل هي شيء اخر.

Exit mobile version