أخبار عامة

نقاد من ورق: وهم النقد في زمن السوشيال ميديا

بقلم: عبد الحكيم البقريني

في زمنٍ تتكاثر فيه المنصات وتزداد فيه مساحة النشر والتأثير، نشهد ولادة عدد متزايد من منتحلي صفة “النقاد”، أولئك الذين يكتبون ما يدّعون أنه “دراسات نقدية” دون امتلاكهم لأبجديات النقد ولا أدواته المنهجية. ورغم ضحالة طرحهم، فإنهم يقدّمون أنفسهم كمرجعيات ثقافية، ويصدّرون آراءهم كحقائق لا تقبل النقاش.

النقد الحقيقي، كما هو معلوم، علم له أسسه ومناهجه ومرجعياته، يتطلب إلمامًا بالنظريات الأدبية، وخبرة بالسياق التاريخي والاجتماعي للنصوص، وقدرة على التحليل والربط والاستنباط. أما ما نشهده اليوم، فهو أقرب إلى “نقد انطباعي” لا يتجاوز سطح النص، بل أحيانًا يتعدى النص ذاته إلى أحكام شخصية تفتقر إلى الرصانة والمسؤولية.

اللافت أن بعض هؤلاء “النقاد المزيفين” قد تمكنوا من بناء جمهور لهم، لا بفعل جودة ما يكتبونه، بل من خلال استعراض لغوي أجوف، أو بسبب قربهم من بعض الأسماء الإبداعية التي تبحث عن التمجيد بأي ثمن. فيعيش الناقد الوهم، ويبيع هذا الوهم للمبدع، الذي يُخدَع أحيانًا بمرايا التلميع.

والمؤسف أن هذا النوع من “النقد المزيف” لا يسيء فقط للمبدعين الحقيقيين، بل يشوه صورة النقد ذاته، ويفقده مكانته كفعل معرفي ضروري لتطور الحركة الأدبية والثقافية. إذ إن المبدع الجاد بحاجة إلى عين فاحصة، لا إلى مرايا مغشوشة، وبحاجة إلى من يعمق تجربته لا من يسطحها.

ولذلك، فإن المشهد الثقافي بأمسّ الحاجة إلى غربلة، وإلى تفعيل دور المؤسسات الثقافية والجامعات في إنتاج خطاب نقدي رصين، والتمييز بين الناقد الحقيقي و”الناقد الظاهرة”، الذي يلمع سريعًا، ثم يبهت بانكشاف خوائه.

إن مسؤولية التصدي لهذا الوهم مسؤولية جماعية، تقع على عاتق النقاد الحقيقيين، والإعلام الثقافي، والمبدعين أنفسهم، من أجل استعادة هيبة النقد، وإعادة الاعتبار للكلمة المسؤولة، والتمييز بين الصدق والزيف في عالم بات فيه كل شيء قابلًا للتزييف.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى