أخبار وطنية ودولية

دروس ريان ورسائله

بقلم : عبد الحكيم البقريني
بعدما قضى خمسة أيام بجب ، رحل ريان البالغ من العمر خمس سنوات ، غادرنا يوم الخامس من شهر فبراير 2022 ، بعدما أعطى للإنسانية دروسا ، وبعث رسائل واضحة ومشفرة .. رحمك الله يا ريان ، وملقانا الجنة ، موعدنا الصفاء هناك ، بعدما أحدثت وحدة القلوب هنا .
ريان : لقد جعلت الضمير الإنساني يصحو من سباته ، من نومه . أحييت التعاطف من جديد ، فكل القلوب حجت لإغرن ، دوار العزلة ، تامرت جماعة التهميش .على مدار ساعات الأيام الخمس ، كل العالم ردد اسمك ، وحّدت المشاعر والقلوب ، وأعلنت فينا أن الإنسان يجب أن يكون إنسانا ، ويبقى كذلك ..
عملت الجرافات ليل نهار ، وتضافرت الجهود ، وسارعت الزمن للوصول إليك ، وكلنا شهود ، ولعلك أحسست بنبضات قلب عمي علي حفار الآبار ، وغيره من الرجال الأبطال .. لقد كنا في الموعد ، وفي زمن قياسي شقنا هضبة للوصول إليك ، لكن القدر كان أقوى وأقسى ، فرحمة الله عليك .
المجد للمرأة القروية ، تجرعت مرارة فراق ريان ، وأشعلت مواقد الغار ، لتطبخ الطعام للأبطال الآخرين من عمال الحفر ، وقوات الأمن بمختلف تلويناتها ، ولرجال ونساء الإعلام ، جميل الثناء للمحسنين ، وللمتعاطفين ، ولجمعيات المجتمع المدني ، شيء عظيم ألا تشعر بالجوع أو العطش في هذا العالم المنعزل والمهمش . إنها التمغربيت في أجل صورها .
أثبتت الأيام الخمس أن المغاربة بامكانهم العمل ليل نهار لتحقيق الهدف ، هم قادرون على التحدي ، هذا الحماس يجب أن يكون طقسا يوميا في الأوراش وفي الأشغال ، فكفى تهاونا ، وليتحمل كل واحد منا مسؤوليته ، ولنتصف بالوضوح مع أنفسنا ، ومع الآخرين ، وحده التاريخ سيخلد الأبطال ، فالتنمية رهينة بالجد والكد ، وحسن التنظير والتدبير فالتنفيذ ، علينا أن نلتقط دروس وإشارات ريان ، ونعلن مغرب الغد بسياسي مفعم بالقيم الإنسانية ، رجل دولة حريص على خدمة الصالح العام ، مواطن متصف بالتضامن ، علينا جميعا أن نتشبع بتمغربيت على غرار شبعنا بطبق مشترك باغرن ، جماعة تاموروت ، حيث ألّف بيننا البطل ريان ، وخاطبنا من جوف الجب ، مقدما إلينا ، وإلى كل إنسان رسائل وعظات .
لقد عرى الحدث عن واقع التهميش الذي يعرفه عالمنا القروي ، بنية طرقية مهترئة ، وصمة عار على جبين سياسي المنطقة . انطلقت من تاونات قاصدا جماعة تاموروت ، مرورا باخلالفة ، اساكن ، كتامة ، اكاون ، طريق أقل ما يقال عنها : لا طريق . فبين الحفرة والحفرة حفرة ، والغريب في الأمر ، أن هذه الهشاشة نجدها حتى داخل مراكز هذه الجماعات ، وعلى أمتار قليلة من أبواب الجماعات . منتهى الخجل والعار ، أن يلج رئيس الجماعة إلى عمله دون أن يكترث بالموضوع ، ودون أن يرأف بمن انتخبوه .. أين هي الأمانة ؟ أين ربط المسؤولية بالمحاسبة ؟ . أين شعار خدمة الصالح العام ؟ اعلموا أن مصيركم مزبلة التاريخ ، لقد فضحكم الراحل البطل ريان ، لكن قبل ذلك أتمنى أن تفتح التحقيقات ، وأن تنكشف سحابة التهميش ، وأسبابه ، ومسبباته ، والأطراف الواقفة وراءه .
حان الوقت للتعاطي برؤية أخرى مع العالم القروي ، رؤية محققة للكرامة الإنسانية ، فلا يعقل أن يبقى الوطن يسير في اتجاهين متعاكسين ، مناطق تحظى بالتنمية والعيش اللائق ، وأخرى تنزلق للمنحدر ، فتزداد فقرا وتهميشا .. فئة بشرية تزداد غنى وثراء ، وفئات لا تجد من القوت سوى الفتات .. فلا الرسالة الربانية توصي بذلك ، ولا القوانين الوضعية تسن وتطمح لمثل المواقف .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى