أخبار عامة

الكتابة على جدران المدارس والطاولات بين التعبير والتشويه

بقلم: عبد الحكيم البقريني
الكتابة على جدران المؤسسات التعليمية وطاولات الفصول الدراسية من الظواهر المنتشرة بين المراهقين. وكثيرة هي المحطات التي حوّل فيها بعض التلاميذ هذه المساحات إلى منصات لعرض أفكارهم ورسائلهم، سواء كانت تعبر عن الذات، أو مجرد خربشات عشوائية. لكن أهذه الظاهرة مجرد سلوك عابر، أم مؤشر على خلل ما، ومشكلات أعمق؟
يرى خبراء علم النفس والتربية أن هذه الظاهرة لها مبرراتها، باعتبارها تنبع من أسباب مختلفة، بعضها نفسي وبعضها اجتماعي وتربوي. ففي المقام الأول، قد تكون الكتابة وسيلة للمراهقين للتعبير عن ذاتهم، خاصة حينما لم يجدوا من يستمع إليهم، أو يعبرون عمّا يعتمل في داخلهم من مشاعر مكبوتة مثل الغضب أو الحزن أو الفرح. كما أن البعض قد يلجأ إليها بدافع التسلية، خاصة عندما يشعر بالملل داخل الفصل الدراسي، أو لا يجد محتوى الدرس مثيرا لاهتمامه. لكن يبقى الأساس هو أن هذا السلوك يخبرنا بأننا أمام ناشئة غير سوية، ناشئة مضطربة، وأن ناقوس الخطر قد دُقّ. وقد تكون الكتابة على الجدران والطاولات شكلًا من أشكال التمرد على النظام المدرسي، حيث يسعى بعض المتعلمين إلى كسر القواعد وإظهار عدم رضاهم عن المؤسسة التعليمية، ونظامها، وقوانينها.
ومن المبررات التي يقدّمها التلاميذ عن سبب لجوئهم إلى هذا السلوك:
– “لا توجد وسيلة أخرى للتعبير عن أفكاري”.
– “الكتابة على الجدران ممتعة وتكسر الروتين.”
– “الجميع يفعل ذلك، فلِمَ لا أفعل”؟
– “هذه طريقتي لإظهار مشاعري أو إيصال رسالة معينة.”
ورغم اختلاف هذه المبررات، وضعفها، فإنها تعبّر عن الحاجة إلى مساحات تعبير بديلة وفعالة، بدل تخريب الممتلكات المدرسية.
للكتابة على الجدران والطاولات أثر سلبي على البيئة المدرسية، حيث تعطي انطباعا بعدم الانضباط، وبأن الإدارة التربوية تغرّد خارج السرب، إذ عوض الانكباب على معالجة هذه الاختلالات نجدها منشغلة بتعقب الأطر، وتصيّد أدنى سلوك منها لإذلالها. إن معالجة هذه الاختلالات من شأنه أن يخفف عبء الصيانة، وإعادة الطلاء، ويكون دافعا للرفع من مردودية الأطر التربوية.
ولمواجهة هذه الظاهرة، ينبغي التعامل معها بأساليب تربوية بدلا من الاكتفاء بالعقوبات الصارمة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
– حملات توعية بأهمية الحفاظ على نظافة المدرسة وبيئتها.
– توفير بدائل تعبيرية مثل تخصيص لوحات جدارية أو دفاتر حرة للكتابة والرسم.
– تعزيز وإرساء أنشطة الحياة المدرسية التي تتيح التعبير عن المواهب بطرق إيجابية.
– فتح قنوات الحوار لمعرفة الدوافع الحقيقية لهذا السلوك.
– فرض عقوبات على المخالفين بإشراكهم في حملات تنظيف وصيانة المدرسة، مما يعزز لديهم الشعور بالمسؤولية.
– صرامة الأطر الإدارية، وحرصها على الممتلكات العامة باعتبارها المسؤولة عن ذلك.
ظاهرة الكتابة على الجدران والطاولات داخل الفضاءات التعليمية ليست مجرد خربشات عشوائية، أو مجرد فعل صادر عن ناشئة، أو أطفال غير راشدين، بل تعكس الحاجة لشيء ما، والتعبير والبحث عن الاهتمام. فهل يمكن للمدارس أن تتحول من ساحة للكتابة العشوائية إلى فضاء يحتضن الإبداع، والتعبير البنّاء. ومتى تلتفت الإدارات التربوية لمثل السلوك الذي يعتبر من أسباب خلل وضعف المنظومة التربوية، عوض أن تكتفي بتوجيه فوهة مدفعيتها نحو الأطر التربوية باعتبارها الحلقة الأضعف داخل منظومة تربوية مضطربة تعلّق فشلها مشجب المدرس، وتعتبره سبب كل فشل؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى