أنقذوا التعليم العمومي… قبل فوات الأوان!

بقلم: عبد الحكيم البقريني
في ظل الواقع التعليمي المتردي الذي نعيشه اليوم، أصبح دق ناقوس الخطر ضرورة لا بد منها. فالتعليم العمومي، الذي كان ذات يوم رافعة للترقي الاجتماعي وبوابة للمعرفة وبناء الإنسان، بات يعاني من اختلالات بنيوية عميقة تهدد مستقبل الأجيال الناشئة، وتُنذر بكارثة تربوية واجتماعية وشيكة إن لم يتم التدخل العاجل والحاسم.
إن استمرار الوضع الحالي سيقودنا إلى إنتاج أجيال تائهة، فاقدة للبوصلة، غائبة عن الوعي المعرفي والوطني، لا تطمح إلا إلى تأمين قوت يومها بأبسط مجهود، وأقصى أحلامها وظيفة بسيطة أو عمل عابر.
في الثانويات التأهيلية، على سبيل المثال، يُلاحظ عزوف مقلق لدى فئة عريضة من المتعلمين عن التحصيل الدراسي، حيث أصبحت المدرسة بالنسبة لبعضهم فضاءً للاستعراض الخارجي، ووسيلة لتكوين صداقات فقط، لا أكثر. تجدهم يسهرون حتى ساعات متأخرة من الليل غارقين في ألعاب الهاتف ومحتويات “التيك توك”، ثم يحضرون إلى الفصول الدراسية في حالة من النعاس والكسل، لا لشيء سوى تسجيل الحضور لإرضاء أوليائهم وضمان الاستفادة من منحة “تيسير”.
أين الشغف بالتعلم؟ أين الرغبة في التميز؟ لقد تلاشى هذا الحافز عند عدد كبير من المتعلمين، لأسباب متعددة، أبرزها:
1. غياب التوجيه وسوء التخطيط: ساهمت الخريطة المدرسية الحالية في تكريس ثقافة النجاح السهل، فأصبح الحصول على معدلات مرتفعة لا يعكس بالضرورة مستوى حقيقياً، بل يتم أحياناً عبر الغش أو تساهل في فروض المراقبة المستمرة.
2. انهيار القيم واختلال المرجعيات: في زمن تحوّل فيه “صناع المحتوى” وناشرو التفاهة إلى قدوات مؤثرة في عقول الناشئة، تراجع حضور المثقف والمعلم، بل أصبح يُنظر إليهما نظرة دونية في بعض الأحيان.
3. دور الأسرة الغائب: بعض أولياء الأمور لا يواكبون أبناءهم ولا يحثونهم على تنظيم الوقت أو التقليل من استعمال الهاتف، ولا يتدخلون لتقويم سلوكهم الدراسي والاجتماعي.
4. منهاج دراسي متجاوز: مضامين بعض المواد لا تساير متطلبات العصر ولا تحفز التلميذ على التفاعل معها، لأنها لا تعكس واقعه ولا تفتح له آفاقاً واضحة في سوق الشغل.
إنقاذ التعليم العمومي يتطلب إرادة سياسية حقيقية، ومراجعة شاملة لكل مكوناته، بدءاً من المناهج، مروراً بالتكوين، وصولاً إلى إشراك الأسرة والمجتمع. فلا تنمية بدون تعليم، ولا مستقبل بدون أجيال مؤهلة، ولا وطن بدون وعي وهوية.
الوقت يداهمنا… فلنتحرك قبل فوات الأوان.