أخبار عامة

ديبلومات “قيلش”.. حين تباع الشهادات ويغتال الاستحقاق

في الزمن الذي يفترض أن يكون فيه التعليم العالي رافعة للعدالة الاجتماعية وبوابة للارتقاء عبر الكفاءة، تطفو على السطح فضائح تزوير الشهادات الجامعية، وتحديدا ما بات يُعرف في الأوساط الإعلامية والطلابية بفضيحة “ديبلومات قيلش”. هذه التسمية المستقاة من اسم أستاذ جامعي بجامعة ابن زهر يشتبه في تورطه في منح شواهد الماستر بمقابل مادي، لم تعد مجرد نكتة سوداء تتداول على مواقع التواصل، بل تحولت إلى مرآة لخلل عميق في منظومة التعليم.

 

القضية، التي فجرتها الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية، وصلت إلى ردهات النيابة العامة، وسط اتهامات ثقيلة تتعلق بتكوين شبكة للتزوير واستغلال النفوذ وتبديد المال العام، وهي تهم لا تضرب فقط في نزاهة الأفراد، بل تطرح سؤالا مؤرقا: ما الذي تبقى من هيبة الجامعة إذا ما أصبحت الشهادة تمنح بـ”المعرفة” وليس بالمعرفة؟

 

الوثائق التي أُرفقت بالشكاية الرسمية كشفت معطيات صادمة: شواهد ماستر سُلمت خلال سنة واحدة فقط، خارج الضوابط البيداغوجية التي ينص عليها القانون 01.00، وفي غياب أي مساطر رسمية للولوج، مما يحول التكوين المستمر إلى غطاء لتوزيع الامتيازات على المقاس. كل هذا تم بتوقيع رسمي من داخل مؤسسة يفترض أن تكون حصنا للعلم، لا مسرحا للسمسرة الأكاديمية.

 

حين تفقد الشهادة الجامعية وزنها، فإن الضرر لا يقتصر على صورة الجامعة فحسب، بل يمتد إلى ضرب الثقة العامة في المؤسسات، وتكريس منطق اللامساواة. كيف يمكن إقناع طالب مجتهد بأن الاجتهاد مجد وهو يرى زميلا يختصر المسار الدراسي باتصال هاتفي أو علاقة خاصة؟ كيف يمكن للدولة أن تتحدث عن إصلاح التعليم، بينما تخترق أهم معاقله من الداخل؟

 

إن فضيحة “ديبلومات قيلش” ليست حدثا عابرا، بل هي إنذار صريح بأن منظومة التعليم العالي في حاجة إلى إصلاح جذري. إصلاح لا يقتصر على الشعارات، بل يبدأ بتطهير المؤسسات من كل من استغل موقعه لتزوير الكفاءة، وتأسيس نظام وطني شفاف للتحقق من صحة الشهادات، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة، مهما كانت الأسماء والألقاب.

 

فلا أمل في مغرب الغد إن نحن فرطنا في نزاهة الجامعة، ولا مستقبل لأمة تفرط في قيمة الشهادة، لتتحول من وثيقة استحقاق إلى سلعة في سوق مظلمة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى