أخبار وطنية ودولية

نتائج البكالوريا 2025 بين الأرقام والتحولات العميقة في اختيارات الشباب المغربي.

بقلم حسن برني زعيم

 

1. نتائج البكالوريا… مؤشر تعليمي أم مرآة مجتمعية؟

أعلنت وزارة التربية الوطنية أن نسبة النجاح بلغت 66,80%، وظهرت من جديد الاختلالات البنيوية العميقة في المنظومة التعليمية، ليس فقط في الفوارق الجهوية أو هيمنة التعليم الخصوصي، بل أيضًا في التوجهات الفكرية والمهنية للتلاميذ.

التراجع الملحوظ في شعب الآداب والعلوم الإنسانية، يقابله صعود نيزكي للمسالك العلمية، خصوصًا شعبة الفيزياء والرياضيات، مما يطرح تساؤلات كبرى حول مستقبل الأجناس الأدبية والفكر النقدي والفنون والعلوم الاجتماعية في المغرب.

2. مستقبل الأجناس الأدبية: هل تندثر أمام المدّ العلمي؟

شعب مثل “الآداب العصرية” و”العلوم الإنسانية” كانت لسنوات حاضنة للمفكرين والكتّاب والصحفيين والمبدعين. لكنها اليوم تعاني من عزوف كبير:

فما السبب؟ اعتقاد متزايد بأن هذه المسالك لا تؤمِّن مستقبلًا مهنيًا واضحًا.

ما النتيجة؟ تقلص الإقبال على دراسة الشعر والرواية والنقد الأدبي، وصحافة الرأي.

الخطر الحقيقي هو أن تفقد الثقافة المغربية تنوّعها، لأن الإبداع لا ينشأ من المختبرات فقط، بل من التجربة الإنسانية التي تعبر عنها الأدبيات والكتابة الحرة.

3.الفنون والسينما: تراجع في الأصل وليس في الرغبة:

رغم أن المغرب حقق تقدماً كبيرًا في الصناعة السينمائية (مهرجانات، تصوير أفلام أجنبية…) إلا أن الطلبة لا يجدون في المدارس الأدبية والإنسانية دعمًا حقيقيًا للمسارات الفنية:

غياب تخصصات واضحة في الثانويات تُهيئ التلميذ لعالم السينما أو المسرح.

ضعف التوجيه المدرسي يجعل الفنّ خيارًا هامشيًا.

ما الحل؟ هو دمج الثقافة البصرية والتربية الفنية في مراحل مبكرة، وتشجيع الطلبة على اختيار الفنون ليس كهواية فقط، بل كمجال للتفوق والإبداع والمهنة.

4. المحاماة والعلوم القانونية: من هيبة المهنة إلى غموض المصير.

شعب الآداب والعلوم الإنسانية كانت تقود تلقائيًا نحو مهن مثل المحاماة، القضاء، الإدارة. لكن

الإصلاحات الأخيرة في امتحانات الأهلية للمحاماة وغياب تكافؤ الفرص أضعف الإقبال.

تراجع الثقة في العدالة والمناخ القانوني جعل المهنة تفقد جاذبيتها.

ينبغي إعادة الاعتبار إلى المجال القانوني، وتسهيل ولوجه بشفافية، لأنه ركيزة أساسية لأي مجتمع يحترم الحقوق ويؤسس للعدالة الاجتماعية.

5. الفلسفة: التهميش المتعمد أو التلقائي لملكة التفكير.

نتائج البكالوريا تُظهر أن الكثير من التلاميذ يعتبرون الفلسفة “عقبة” أو “كابوسًا”. السبب ليس في الفلسفة نفسها، بل في:

• طريقة تدريسها التي ما زالت تميل إلى الحفظ بدل إثارة التساؤل.

• غياب التحفيز على التفكير النقدي.

في مجتمع يتجه نحو التقنية والسرعة، نحتاج الفلسفة أكثر من أي وقت مضى: لمساءلة السلطة، لفهم الذات، ولتأطير التحولات الأخلاقية والاجتماعية.

6. السياسة: عزوف أم وعي مبكر؟

إذا كانت نتائج البكالوريا تُظهر انكماشًا في الشعب المرتبطة بالعلوم الإنسانية، فإن ذلك يتقاطع مع ظاهرة العزوف السياسي عند الشباب:

تلميذ اليوم لا يرى في السياسة أفقًا، بل ساحة مغلقة ومُحبطة.

وفي المقابل، ينخرط في قضايا رقمية وحقوقية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الحاجة اليوم ماسة إلى تربية مدنية جديدة، تُعيد ثقة التلميذ في جدوى العمل السياسي، وتُشجعه على الولوج إلى تخصصات العلاقات الدولية، العلوم السياسية، والحكامة الجيدة.

الخلاصة: لا بد من إصرار على بناء مدرسة تؤمن بالتعدد،

فنتائج البكالوريا ليست مجرد أرقام نجاح ورسوب. إنها مؤشر على توجّه مجتمعي بأكمله، وعلى منظومة قيم تتغير.

إذا واصلنا التقليل من قيمة العلوم الإنسانية والأدب والفن والفلسفة، فإننا نخاطر ببناء مجتمع تقني جامد، بلا روح، ولا نقد، ولا خيال.

️ والمطلوب أيضا هو تأسيس

نظام توجيه مدرسي يُعيد التوازن بين المسارات.

و إعلام تربوي يُبرز قصص النجاح في الأدب والفن والقانون.

وإصلاح تربوي يُؤمن بأن التعدد المعرفي هو أساس مجتمع متماسك وحر.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى