قراءة حقوقية في الخطاب الملكي السامي: دعوة لإعادة هندسة العلاقة بين الدولة والمجتمع

يأتي الخطاب الملكي السامي الأخير ليعيد ترتيب أولويات الدولة عبر توجيهٍ واضح بضرورة خلق جسور تواصل وتشاور فعلي بين السلطات الترابية والمجتمع المدني والحقوقي والمنتخبين، باعتبارهم حلقات أساسية في صناعة القرار المحلي وحماية الحقوق الفردية والجماعية.
هذه الدعوة لم تأت في فراغ، بل تبرز بشكل غير مباشر من خلال تعثر الحكومة في مقاربة عدد من الملفات المجالية والاجتماعية، وعجزها عن الإنصات للمواطنين، خصوصا في المناطق القروية التي تعاني هشاشة مزمنة وضعفا في البنيات الأساسية.
المعطى الذي لم يلتقطه كثير من المحللين هو أن الخطاب الملكي حرر المجال الترابي من هيمنة التدبير التقني الضيق، ومنح العمال والولاة هامشا واسعا لإعادة بناء علاقة ثقة مع السكان عبر لقاءات مفتوحة، وحوارات تشاركية، ومبادرات لرفع الضرر، في خطوة تعيد الاعتبار لفكرة “الدولة القريبة من المواطن او الدولة الاجتماعية”.
كما يضع الخطاب الملكي مسؤولية مضاعفة على المنتخبين، باعتبارهم امتدادا لإرادة المواطنين، ويدعوهم إلى تجاوز الحسابات السياسية الضيقة والانخراط في تدبير تشاركي يحترم الحقوق، ويعتمد الشفافية، ويُقوي آليات المساءلة.
إن أهم ما يميز الخطاب وهو ما لم يناقش إعلاميا بالشكل الكافي : هو رسالته المباشرة بأن التنمية ليست مشاريع إسمنتية تعلن في الواجهات، بل عملية حقوقية شاملة تقوم على الإنصات، وإشراك الفاعلين، وتمكين المواطن من التعبير عن احتياجاته، ومحاسبة كل من يقصر في أداء واجبه.
بهذا التوجيه، يفتح جلالة الملك مرحلة جديدة قوامها دمقرطة القرار الترابي، وتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع، واستعادة روح المبادرة التي غابت عن مؤسسات حكومية لم تفلح في تقديم الإجابات المطلوبة لانتظارات المواطنين والمواطنات.






