أخبار عامة

المدرسة المغربية: من الرائدة إلى الطاردة

بقلم: عبد الحكيم البقريني

عندما أُطلقت مبادرة “المدرسة الرائدة” بالمغرب، كان الأمل معقودا على إحداث قطيعة مع ممارسات تربوية تقليدية، وصياغة نموذج تعليمي يستجيب لطموحات المدرسة العمومية ويُسهم في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص. لكن ما كان يُفترض أن يكون فضاءً جاذبا للإبداع والاجتهاد والتميز، تحوّل في بعض الحالات إلى بيئة طاردة للتلاميذ والأطر التربوية والإدارية على حدّ سواء.

تشهد “المدرسة الرائدة” عزوفا ملحوظا من طرف الأطر التربوية والإدارية، الذين يُفضلون المشاركة في الحركات الانتقالية للابتعاد عن هذه المؤسسات، رغم ما يُروّج لها من امتيازات شكلية. فبدلا من التحفيز والدعم، يجد الأستاذ نفسه في بيئة تفتقر لأدنى مقومات التميز الحقيقي، ويُطالَب بتطبيق مقاربات سطحية لا تواكب الحاجيات الفعلية للتلميذ ولا تطوّر أداء المدرّس.

الأكثر إثارة للقلق هو هجرة عدد من أولياء أمور التلاميذ المتفوقين من هذه المدارس نحو مؤسسات خصوصية أو عمومية غير مصنفة “رائدة”. هذا السلوك يكشف فقدان الثقة في جدوى المشروع، خاصة عندما لا يُقدّم أيّ تحفيز معرفي أو تمييز إيجابي للتلاميذ النجباء، بل يُختزل كل شيء في تعليم صريح محدود، يكرّس التلقين ولا يفتح أفقا للتفكير النقدي أو الإبداع.

رغم الشعارات البراقة التي رفعت في بداية المشروع، فإن المدرسة الرائدة في صيغتها الحالية تشتغل بمنطق التعليم الموحد الذي لا يُراعي الفوارق الفردية، ولا يُعطي التلميذ المفاتيح الحقيقية لفهم العالم. إن تسطيح المعارف والاكتفاء بالمظاهر التقنية بدل البناء الفعلي للكفايات يضرب في العمق هدف الإصلاح المأمول.

من المفترض أن تكون المدرسة الرائدة فضاءً محفزا على التميز، لكن واقع الحال يكشف غياب أي برامج دعم أو امتيازات حقيقية للتلاميذ المتفوقين. فهؤلاء يجدون أنفسهم في قاعة واحدة مع باقي التلاميذ، دون أي مشروع فردي أو تحديات معرفية تُنمي قدراتهم وتستثمر تفوقهم.

المشروع، رغم نبل مقاصده، يحتاج إلى مراجعة جذرية في فلسفته ومنهجيته وآليات تنزيله. فأن تكون المدرسة “رائدة” لا يعني أن تكتفي بواجهة رقمية أو زينة بصرية، بل أن تكون حاملة لمضامين قوية، وأداة فعالة في تطوير الرأسمال البشري. إن استمرار هذا النزيف البشري والمعرفي مؤشر على خلل هيكلي يجب تداركه قبل أن تتحول هذه المدارس من فضاء واعد إلى عنوان جديد لفشل السياسات التربوية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى