البنك الدولي وكرونولوجيا الإجهاز على التعليم.
بقلم حسن برني زعيم
خضوع التعليم في بلادنا لتوصيات البنك الدولي ليس جديدا، فمنذ تطبيق ست سنوات في التعليم الابتدائي وثلاث في التعليم الإعدادي تبين أن الغرض هو ربح عدد الأساتذة في كل سنة دراسية لأن أستاذين كافيان لتدريس قسم السادس بينما يحتاج قسم الأولى الإعدادية إلى ثمانية أساتذة على الأقل.تلك كانت الضربة الأولى التي خففت على الخزينة “المُفَقَّرَة” أعباء الأجور إرضاء لتوصيات البنك الدولي.
ثم جاءت الضربة الثانية من خلال الساعات التضامنية التي حددت آنذاك في 4 ساعات في الأسبوع أضيفت إلى جدول حصص كل أستاذ من أساتذة التعليم الإعدادي ، و3 ساعات في السلك الثانوي ، وربما أيضا في التعليم الابتدائي.
ولبيان أثر هذه الساعات التضامنية نسجل ، من جهة ،أنها كانت ثاني لقمة فتحت شهية من يفكرون في أرباح لخزينة الدولة دون مراعاة مصلحة التلاميذ وحقوق الأستاذ، ومن جهة أخرى ، كانت الضربة الأولى التجريبية لتقليص عدد الموظفين ، وانتظار ردود الأفعال ، وبالتالي تضييق باب التوظيف ، وستشرع كفة المحالين على التقاعد ترجح على حساب كفة المنخرطين (وهذا موضوع آخر لا يتسع المجال للحديث فيه رغم صلته المباشرة بما يجري).
لكن كيف ذلك؟ سأقتصر الآن على ضرب مثال خاص بالتعليم الإعدادي وبمادة واحدة ، وهي اللغة العربية :
قبل 1985 ، لم يكن عدد التلاميذ بالنسبة لكل أستاذ يتعدى 100 تلميذ في حدود حوالي ثلاثين تلميذا في كل قسم.ولم يكن عدد ساعات عمل الأستاذ يتعدى إحدى وعشرين ساعة منها واحدة إضافية /غير واجبة يعوض ،ماديا ، عن مجموعها عند نهاية كل دورة من لدن نيابة وزارة التربية الوطنية التابع لها، وهذا يعني أن الساعات الواجبة المقررة كان هو 20 ساعة في الأسبوع.
ماذا جرى بعد ذلك ؟
لعل أول ما يثير الانتباه هو العمل على نقص عدد ساعات الأسبوع بالنسبة للتلميذ لتصبح ستا، وحرمانه من التفويج، وبالتالي الزيادة في عدد ساعات عمل الأستاذ إلى 24، وهو ما سمي آنذاك بالساعات الأربع التضامنية ، والتي ضحى بها الأساتذة من أجل أبناء الوطن ، وكانوا ينتظرون التراجع عنها بمجرد زوال أسباب اللجوء إليها ، بل كانوا يحلمون بأن يصفق لهم المسؤولون والمجتمع ويشكروهم على ما قدموه لأبناء المغرب ، لأننا لو أحصينا عدد الساعات التطوعية في التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي ، وقدرنا مقابله بالدرهم المغربي لأصبنا بالذهول ، ولهذا ندعو كل من يحشر نفسه – من الجاهلين بتفاصيل التربية والتعليم في بلادنا – في الحديث عن الأساتذة والتعليم أن يتناول الآلة الحاسبة و يجري عملية الجمع والضرب ويعبر عن إحساسه دون أن يعلنه لأحد ، لأنه ، لاشك ، لن يصدق الآلة في أول نتيجة، وسيتشاور في الأمر مع غيره من الأهل والأصحاب والجيران. وعندما وقع خصم ساعة من مجموع الساعات المخصصة للمواد الأساسية الثلاث- عربية، فرنسية، رياضيات-وأضيفت أربع تطوعية للأستاذ، فقد أٌّسند إليه أربعة أقسام بدل ثلاثة كما كان قبل التطوع، بمعنى أن 120 قسما ،مثلا ، ستحتاج لثلاثين/30 أستاذا بدل أربعين/40 أي “ربح” أجرة عشرة أساتذة في كل شهر… وهلُم جرا. ولهذا يؤدي مباشرة إلى الاكتظاظ وإرهاق الأستاذ من غير حق.
وفي الوقت الذي كان الأساتذة والتلاميذ ينتظرون التراجع عن هذه الساعات الإضافية التي تحولت بفعلٍ متحايل من “مهندس ” خطير إلى واجبة، جاء الميثاق الوطني للتربية والتكوين بالضربة القاضية من الشوط الثاني حينما قرر أربع ساعات – أسبوعيا – لمادتي الفرنسية والعربية وخمس للرياضيات ، بدلا من 6، وأسند لأستاذ هاتين المادتين 6أقسام عوض أربع!! فتضاعف عدد التلاميذ والأقسام ، بالنسبة للأستاذ ، ليصبح حوالي مائتي تلميذ ، أي ستة أقسام !!ولم يعد الأستاذ يرى تلاميذه يوميا كما كان سابقا، وقد جاء “الربح” ، هذه المرة ، أكثر جشعا حيث سنحتاج فقط لعشرين (20 ) أستاذا لتدريس 120 قسما بعدما كنا نحتاج لأربعين (40) قبل “الضربتين الإصلاحيتين” ، أي إغلاق باب التوظيف أمام المعطلين.
ولتلخيص تدحرج المعادلة نوضحها كالتالي:
– قبل 1985 : 120 قسما يضم حوالي 30 تلميذا ←يتطلب 40 أستاذا:بنسبة 3 أقسام لكل أستاذ
– بعد الساعات التضامنية 120 قسما من حوالي 30 تلميذا ←يتطلب فقط 30 أستاذا بنسبة 4 أقسام لكل أستاذ.
بعد الميثاق الوطني :120 قسما من حوالي 40 تلميذا ← فقط 20 أستاذا أي بنسبة 6 أقسام لكل أستاذ.
نستنتج من هذا المبيان أن التوظيف تراجع بنسبة 50 بالمائة.
وأما إذا أضفنا إلى هذه التراجعات في وتيرة التوظيف إسقاط مستوى الأولى من التعليم الإعدادي إلى السلك الابتدائي والذى سمي بالسادس ، فإن ذلك يعني أن 120 قسما التي كانت تتطلب 40 أستاذا مضروبة في 8 أساتذة للمواد الأخرى بالإعدادي / أي لجميع المواد 320 أستاذا، قبل 1985، ستحتاج فقط 60 أستاذا في المدرسة الابتدائية!!
كما أن صفقة المغادرة الطوعية التي أحدثت خللا كبيرا في الوظيفة العمومية وشبه العمومية قد صارت ضمن المسكوت عنه في كل نقاش حول إصلاح التعليم.
ولذلك ، فإن أي سعي خارج الإصلاح الحقيقي للتعليم والمرافق الأخرى المستقبلة للموظفين ،وذلك بالعودة إلى الأصل وهو قلب المعادلة لتصير كالتالي :
عدد التلاميذ هو الذي يفرض ويتحكم في عدد المدرسين وليس العكس ، لأن الميزانية والخريطة المدرسية وتوصيات البنوك أوامر فوقية لا تراعي الواقع الذي يفرض نفسه، وبالتالي يكون تصور السائرين في ادعاء “الإصلاح”
تصورا مقلوبا يمشي على رأسه والصواب أن يمشي على رجليه.