الطاكسيات :حزام السلامة .. ذاك الاختراع المعطّل.

بقلم : حسن برني زعيم
في مغربنا ، حيث تعلق بعض قوانين السير والجولان على شماعة “الاستثناء المغربي”، وحيث يستطيع المواطن أن يعيش ويموت في الدقيقة نفسها دون أن يشعر أحد بالفرق، وهكذا يظهر لنا أعجب اختراع في تاريخ البشرية: حزام السلامة… المعطل رسميا!
نعم، ذاك الاختراع الصغير الذي اخترعته الإنسانية لحماية الإنسان الراكب في سيارة ، قررنا نحن أن نختصر به الطريق… إلى المستشفى أو إلى المقبرة، حسب سرعة السائق….. ودرجة تهوره ….. و “ سرعة الأحلام ” التي عبرت جمجومته.
وزارة النقل من خلال NARSA – أطال الله صبرها وصبرنا – وجدت مبررا عبقريا لعدم إلزام الركاب بربط الحزام في الطاكسي: “الطاكسيات كتوقف بزاف”. يا للعبقرية!
كأن سيارات الأجرة الأوروبية، مثلا، تسير بسرعة الضوء بدون توقف، وكأن سائقي الطاكسيات هناك يضعون الحزام فقط احتراما لجمال الطبيعة! أم لعل ركاب تلك الدول لا يوقفون سياراتهم على الإطلاق، يدخلون المركبة في باريس ويخرجون منها مباشرة في بروكسيل دون نقطة ضوء؟
ثم ما هذه الحساسية الأخلاقية التي طغت فجأة؟
هل الوزارة تخشى أن يربط المواطن الحزام فيتأخر عن السؤال الفلسفي الأزلي: “فين غادي خويا؟”
ربما الحزام سيعطل الحوار الحضاري بين الراكب والسائق، وربما سيمنع الراكب من الالتفات يمينا ويسارا ليبدي رأيه في كل شيء: من كرة القدم و سعر الزيتون و البطاطس إلى الدستور.
ولا ننسى تبريرا آخر يستحق التصفيق: “الحافلات بحال الطاكسيات”.
نعم طبعا! لأن الحافلة التي تحمل خمسين راكبا قد تتوقف كل عشرين مترا، فلا داعي لحزام السلامة… فالموت، على ما يبدو، ينتظر نقطة توقف كذلك، ويحتاج أن يتهيأ نفسيا قبل أن يلتقط أحدا….
ثم اسألهم عن ركاب السيارات الخاصة!
أولئك الأغبياء الذين ما زالوا يربطون الحزام كل صباح دون ألا يعرفون أننا في عصر السرعة، وأن الحزام دليل على الرجعية وقلة الثقة في قدرة السائق على مراوغة “الحفرة” و”التريبورتور” و”الخطافة”.
والسؤال الذي لم تجب عنه الوزارة حتى الآن:
إذا وقع حادث، هل ستنتظر سيارة الإسعاف لتسأل الراكب:
“فين بغيت تهبط؟ فالمستشفى ولا فالمقبرة؟ وبغيت السرير على اليمين أو على الشمال؟”
لو كان الحزام يوزع مع الخبز لربما احترمناه.
ولو كان يربط لوحده لربما أحببناه.
لكن ما دام الأمر يتعلق بالسلامة… فالأفضل أن نظل أوفياء لقاعدة ” كم حاجة قضيناها بتركها” !!!
وهكذا يستمر الاختراع المعطل
جاهزا للاستعمال في كل مكان
من العالم إلا عندنا نحن، المهووسون بالاستثناء .








