فن وثقافية

المدرسة الرائدة في المغرب: بين طموحات الإصلاح وثغرات التطبيق!

بقلم: عبد الحكيم البقريني

في إطار سعي المملكة المغربية إلى تجويد المنظومة التعليمية، أطلقت وزارة التربية الوطنية مشروع “المدرسة الرائدة”، الذي يروم إحداث نقلة نوعية في المؤسسات التعليمية العمومية، من خلال تحسين بيئة التعلم، وتطوير طرائق التدريس، وتبني مقاربات تربوية حديثة. غير أن الواقع الميداني يكشف عن مجموعة من السلبيات والثغرات التربوية التي تجعل هذا المشروع، رغم نُبله، بعيدًا عن تحقيق الأهداف المنشودة.

من أبرز الإشكالات التي تواجه المدرسة الرائدة في المغرب، التفاوت بين التصور النظري للمشروع وتنزيله على أرض الواقع. فرغم وجود دلائل بيداغوجية وأطر مرجعية واضحة، وإن كانت لا تعتمد على نظرية دقيقة، بقدر ما تستند على دراسات أنجريت في الهامش الهندي، فإن غياب التكوين الجيد للموارد البشرية، وضعف المواكبة الميدانية، يفرغان المشروع من محتواه، ويجعلانه مجرد شعارات دون أثر ملموس في الحياة المدرسية اليومية.

من المفترض أن تكون المدرسة الرائدة فضاءً حديثًا ومهيئًا لتشجيع التعلم النشط والمبدع، إلا أن الواقع يشي بنقص حاد في التجهيزات، أو تعرضها للتلف، سواء من حيث الوسائل التكنولوجية أو المختبرات أو حتى الفضاءات الرياضية والثقافية. ويؤدي هذا القصور إلى تكريس الفوارق بين المؤسسات، بدل أن يسهم المشروع في تقليصها.

يعاني المشروع من ضعف في مراعاة الخصوصيات الجغرافية والاجتماعية لكل منطقة. فالمقاربة المركزية في التخطيط والتنفيذ تُقصي الفاعلين المحليين، وتُغفل حاجيات المتعلمين الفعلية. وهذا ما يحد من فعالية البرامج التربوية التي تُفرض من الأعلى دون إشراك حقيقي للمدرسين والأطر التربوية.

يشتكي العديد من الأساتذة من ضغط العمل الناتج عن كثرة المهام الإدارية والتربوية المرتبطة بمشروع المدرسة الرائدة، دون توفير تحفيزات مناسبة أو ظروف عمل مواتية. كما يشعر عدد منهم بأن دورهم يقتصر على تنفيذ تعليمات فوقية، دون الاعتراف بخبراتهم أو مشاركتهم في اتخاذ القرار. كما أن المقاربة غيبت الروح النقدية والتحليلية لدى المتعلم، إذ أصبح منفذا لتوجيهات وأوامر لا تراعي عمق الموضوع، بل تكتفي بتسطيح المفاهيم.

من نقاط الضعف الجوهرية في المشروع، غياب آليات تقييم منتظمة وشفافة لقياس أثر المدرسة الرائدة على التحصيل الدراسي والتنشئة التربوية. ويؤدي هذا الغياب إلى استمرار العمل وفق منطق الكمّ لا الكيف، حيث يتم التركيز على عدد المؤسسات المنخرطة في المشروع، بدل التركيز على جودة الأداء ونتائج التعلم.

لا شك أن المدرسة الرائدة تمثل محاولة جادة لإصلاح التعليم العمومي في المغرب، لكنها تعاني من ثغرات عميقة تحد من فعاليتها. ويظل الرهان الحقيقي في تجاوز هذه السلبيات من خلال إصلاح شمولي يراعي خصوصيات السياق المغربي، ويُشرك الفاعلين التربويين، ويُوفر الشروط المادية والبشرية الكفيلة بإنجاح أي إصلاح تربوي حقيقي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى