أخبار عامة

هل أصبحت قرارات الدولة المركزية تُهان؟ جامعة القاضي عياض نموذجا!

تحرير ومتابعة سيداتي بيدا

بعد القرار الجريء والحكيم الذي اتخذه وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بالمملكة المغربية، والقاضي بالسماح للطلبة الحاصلين على شهادة الإجازة بمتابعة دراستهم بسلك الماستر دون المرور بانتقاء أولي تعسفي، وهو القرار الذي أكد من خلاله الوزير، في خرجاته وتصريحاته، أن رؤساء الجامعات وعمداء الكليات ملزمون بتوفير المقاعد البيداغوجية وتوسيع العرض التكويني تماشيًا مع هذا التوجه، استبشر الطلبة خيرًا، واعتبروا أن روح المساواة والعدالة قد بدأت تتحقق أخيرًا في قطاع التعليم العالي، وأن الدولة تتجه فعلاً نحو تمكين الجميع من فرصة متكافئة في التعلم.

غير أن ما حدث بجامعة القاضي عياض، وبالضبط في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، صدم الرأي الطلابي والمتابعين، بعدما فوجئوا بإعلان مباراة الماستر بنفس شروط الإقصاء السابقة، وبنفس الصيغة القديمة التي تعتمد “الانتقاء الأولي” و”عدد محدود من المقاعد” بشكل يطرح علامات استفهام حول مدى احترام هذه المؤسسة الجامعية للتوجهات الوزارية المركزية.

فهل الجامعة مؤسسة قائمة بذاتها لا تخضع لقانون الدولة؟
أم أن هناك مقاومة صامتة لقرارات تصب في مصلحة الوطن والمواطنين؟

إن ما حدث ليس مجرد “سوء فهم”، بل هو نموذج لمعضلة أعمق تتعلق بمدى التزام الإدارات الجهوية والجامعية بمبدأ احترام تسلسل القرار الإداري، وهو مبدأ راسخ في القانون الإداري المغربي، الذي ينص بوضوح على خضوع المؤسسات اللاممركزة لتعليمات السلطة المركزية، وفقًا للفصل الأول من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.473 بتاريخ 23 نونبر 1973 بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.

وإذا كنا في المغرب نعيش اليوم على وقع تحولات عميقة يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، والتي أكد فيها مرارًا على ضرورة إصلاح التعليم العالي وتكافؤ الفرص وجعل الكفاءة أساسًا لا الزبونية، فإن الالتفاف على هذه الإرادة السامية يعد أمرًا في غاية الخطورة، لأنه يمس جوهر هيبة الدولة ويمهد لتكريس ممارسات لا وطنية تقوض الثقة في المؤسسات.

فالحق في التعليم، وخاصة التعليم العالي، ليس امتيازًا بل هو حق دستوري، نص عليه الفصل 31 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، الذي يلزم الدولة والمؤسسات العمومية بتيسير سبل الولوج المتكافئ لكل المواطنين إلى التعليم.

وما يحصل الآن من إقصاء غير مبرر و”انتقاء شكلي” يُشتمّ منه رائحة الريبة، هو تشويه لروح المرسوم الوزاري، وانحراف عن مضمون السياسة العمومية، واستفزاز مباشر لفئة واسعة من الطلبة الذين راهنوا على قرارات الدولة ومؤسساتها لإعطائهم فرصة للارتقاء الاجتماعي.

إن الحفاظ على هيبة القانون يبدأ أولًا من المؤسسات نفسها، ولا يعقل أن تَصدر قرارات مركزية من وزارة التعليم العالي وتُجهض في الكليات بسبب عقليات بيروقراطية أو توجهات غير مفهومة لا تراعي لا المصلحة العامة ولا التوجيهات الملكية ولا حتى تطلعات المواطنين.

إننا اليوم بحاجة إلى نخبة من أصحاب الشواهد العليا، لأن رهانات المستقبل تفرض على الدول أن تستثمر في رأس المال البشري، وأن ترفع من معدلات تكوين الكفاءات، لأن السيادة في العصر الحديث لم تعد فقط سيادة جغرافية، بل أصبحت كذلك سيادة معرفية واقتصادية وثقافية.

وعليه، فإننا نوجه نداءً إلى الجهات الرقابية والمؤسسات المعنية، وإلى السيد رئيس الحكومة ووزير التعليم العالي، بضرورة فتح تحقيق إداري معمق فيما وقع ويقع داخل جامعة القاضي عياض، وبأن يتم فرض احترام القرار الوزاري وتوسيع الولوج إلى الماستر كما نصت عليه التوجيهات الأخيرة، بل وتمتيع الطلبة بفرصة متكافئة دون تمييز أو تفضيل.

كما نطالب أن يُفتح نقاش وطني جاد حول اللامسؤولية الإدارية داخل بعض الكليات، لأن من يُجهض قرارات الدولة، أو يعمد إلى تأويلها بما يخدم مصالحه الضيقة، فهو يهدم أسس الوطن بيديه.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى