شارع الحرية قصة قصيرة.

محمد السميري

التفت الى الباب الأزرق الحديدي دو المصراعين الكبيرين وهو يغلق من ورائه،كانت المسافة بعيدة جدا،سلخ منها عادل عشرون سنة من عمره،ساعتها كان شابا يافعا يحارب من اجل العدالة في وطن ضاقت فيه سبل الحرية،ها هو الان كهلا في السابعة والخمسين من عمره وقد تخلل الشيب راسه ولحيته.عشرون سنة من القهر والتعديب في اقبية السجون والمعتقلات السرية بسب ارائه وافكاره الثورية.حرارة شمس حزيران تلفح جسمه النحيل،فتح زجاج نافدة السيارة التي كانت تسير بسرعة على الطريق السيار من مدينة الرباط بالتجاه مدينة الدار البيضاء،موسيقى فيروز الناعمة تتصاعد كشلال عبر نسيمات الهواء المنعش،اشعلت مارتا سيجارة أمريكية،قدمت لعادل العلبة استل بدوره سيجارة ، اشعلها، مج نفسا طويلا ،وضعت مارتا يدها على راحته وهي تضغط في حنو ،كان شعرها الانسيابي الأشقر الدي يناسب قامتها الطويلة يداعب بشرتها البلقاء الصافية وهو يتطاير فوق عينيها بفعل الهواء المنبعث من نافدة السيارة.رسائل مارتا كانت بمثابة البلسم والمتنفس الوحيد الدي كان يخفف عنه كآبة ووحشة جدران المعتقل بعد ان توفي والداه وهو في السجن.المنظمة الدولية التي كانت تهتم بشؤون المعتقلين في المغرب ودول شمال افريقيا اطلعت على ملفه عبر مارتا، اتصاله بمارتا التي كانت تقوم بزيارته كلما قدمت الى المغرب كان يطبعها نوع من التواصل والتوافق الفكري بينهما ،خاصة وان مارتا هي التي تكلفت بطباعة ونشر مجموعته الشعرية”قصائد تحت الكمامة”،وقد اثمرت العلاقة بينهما عبر التراسل والزيارات قصة حب محموم بين عشيقين.
– لقد جهزت لك الأوراق لتسفيرك الى فرنسا قصد العلاج ولم يبق الا موافقة السلطات المغربية.
– ان صحتي معتلة لا تساعدني على السفر،احس انني ساموت هنا .
– لقد اتصلت بأحد الأصدقاء الدي ستقيم عنده ريتما نتدبر الامر.
كانت المياه الساخنة التي تسيل من رشاش الدش تمسح جسمه- ان بقي هناك جسم – في حنو، شعر معه باسترخاء جميع مفاصله مما جعله يبقى لمدة طويلة يتلدد لأول مرة طعم الحرية.ارتدى ملابسه.اشعل سيجارة نفث الدخان المحبوس في رئتيه بصوت مسموع وكأنه يلفظ ما تبقى من سنوات القهر والمعاناة.رشف رشفتين من فنجان القهوة السوداء الدي هياءه بنفسه.تصفح الجرائد التي وضعها له صديق مارتا فوق الطاولة.أغلب العناوين تتحدث عن مباراة الفريق الوطني ونظيره المصري. نظر الى الساعة المعلقة على الحائط،كان الموعد مع الطبيب الدي حددت له مارتا موعدا معه على الساعة العاشرة صباحا.ارتدى ثيابه بسرعة ،اشعل سيجارة وخرج.مدينة الدار البيضاء هي غير المدينة التي تركها في السبعينيات ، الشوارع غير الشوارع،بنايات وعمارات شاهقة،شوارع مكتظة بالناس،فتيات في عمر الزهوربسراول اجينز الضيقة تبرز مفاتن اجسادهن الغضة الطرية،لم يستطع الاستمرار في المشي على طول الجادة،فقد تعودت سيقانه النحيفة على الدوران في ساحة المعتقل دات الشكل الدائري،لقد دمر السجن جسده ومشاعره واحاسيسه ،فآثار التعديب والصعقات الكهربائية على أعضائه التناسلية في الاقبية المظلمة،أجهزت على ما تبفى من غريزته الجنسية كما اخبره الطبيب الدي خرج من عيادته وهو في حالة نفسية متدهورة.تدكر مارتا ورسائلها الغرامية وحبها الجنوني وقبلاتها الحارة اثناء زيارتها له في المعتقل.بدى له الشارع والبنايات والوجوه كسديم محفوف بالفراغ،فراغ داخلي ينز حرقة ودما.رن الهاتف الحمول في جيبه ،رأى اسم مارتا على الشاشة،أحس وكأنه تلقى صفعة قوية من الصفعات التي كان يهوي بها عليه احد الجلادين وهو في القبو المظلم،لم تعد ركبتاه تقوى على حمل جسمه
– الو… الو.. الو..
بقي ساهما لبرهة أخد نفسا ثم أجاب بصوت رخو أخن
-اه..اه..الو…
– انا مارتا اين انت؟ هل زرت الطبيب؟ مادا قال لك؟
لم يعد يقو على الكلام،احس وكان حباله الصوتية التصق بعضعا ببعض،تجمدت الكلمات في حلقه،سقط الهاتف من يده.كان يمشي… يمشي…يمشي… دون هدف او اتجاه، الصور تتقافز امام عينيه، صورة مارتا !…الطبيب. !.. رسائل مارتا. !… يمشي … يمشي …يمشي… ازيز محركات العربات … !القبو !.. الجلادون. كان صوت عجلات سيارة مارتا يلحس الطريق بسرعة جنونية،عادل لا يجيب
على الهاتف؟ !! هل لا زال عند الطبيب؟ !!هل هو في المنزل؟ !!هل وقع له مكروه؟ !! كانت الأسئلة تتقافز في دهن مارتا ويديها على المقود.من بعيد كان جمهور من الناس يغطي الشارع الدي وجد فيه المنزل الدي اقام فيه عادل، اقتربت مارتا ،فتحت الباب ونزلت من السيارة وهي تجري،كان البوليس ورجال الإطفاء يخمدون النار التي شبت في المنزل الدي يقيم فيه عادل،ارادت ان تخترق الجموع،اعترض طريقها احد رجال الشرطة متسائلا
– من انت؟ مادا تريدين؟
– انا صديقة عادل الدي كان في البيت
– ممنوع. ممنوع.
اخبرها الشرطي ان قنينة غاز انفجرت داخل المنزل ولا نعرف حتى الان كيف وقع دلك.انفجرت مارتا باكية وهي تتمتم انا السبب ! انا السبب ! لقد انتحرعادل !لقد انتحر عادل ! لم استطع مساعدته !لم استطع مساعدته !
فجأة أحست مارتا بالهاتف يرن في محفظتها
-الو،هل انت مارتا؟
-نعم ،ما الامر؟ !
-هل تعرفين شخصا اسمه عادل؟
-نعم !ولكن عادل مات من انت ؟ !
-نعم سيدتي انا شرطي لقد توفي عادل ، صدمته سيارة بشارع الحرية.

Exit mobile version