بقلم حسن برني زعيم
مما يلاحظ أن التأريخ بالحوادث والأحداث استمر مع الإنسان، في التاريخ الحديث، كأداة من أدوات التسجيل إما بسبب الجهل والأمية، أو لتأخر اقتناع الناس بالوسائل الحديثة ومدى “صدقها” في تيسير الحياة.وإما لقيمة الحدث التاريخية ، ومن ذلك سقوط بغداد وغرناطة وهجمة “نابوليون” وهجرة الهنود والأمازيغ ، وبناء حائط برلين وسقوطه، وما يشبه ذلك من أحداث داخلية أو قومية أو عالمية بغض النظر عن نفعها أو ضررها…
وهكذا بتنا نسمع الناس في بلادنا – وفي غيرها – يسجلون تاريخ ميلاد طفل، مثلا، بوفاة آخر، أو بزواج أخته أوطلاقها، وما زلنا في حاضرنا نسمع حديثا عن عام الجوع والجراد ، ودخول الاستعمار وخروجه وأحداث أوريكا وزلزال أكادير والحسيمة دون ذكر السنوات والشهور والأيام، على الرغم من تطور وسائل تدوين المعلومات وحفظها.
من هذا الباب الواسع ستدخل “مطيشة” في بلادنا سجلات التاريخ نظرا للشهرة التي “ربحتها” بسبب الغلاء الذي عرفته خارج ” فترة حريرة رمضان.
ولم يعد خافيا على أحد الرقم القياسي الذي حطمته ، والذي لم يسبق أن بلغته منذ عرفناها ونحن صغار، يوم كانت تباع في كل سويقة وتطبخ في كل وجبة…وظلت رفيقتنا ونحن كبار…
فلا عجب أن نسمع الناس مستقبلا يؤرخون للأحداث بعام “مطيشا 2023، وبعد مرور سنوات سوف يستغنون عن ذكر 2023 وترتبط السنة بعدها ب”مطيشا”.
ونظرا لحاجة الناس إلى تكثيف أنشطتهم في السياسة والديمقراطية والحقوق ، لا يستبعد اهتمام الأحزاب والنقابات والجمعيات ب”قضية” “مطيشا” منقسمين كالعادة إلى مؤيدين ومعارضين ، ويرفع الموضوع بالتطبيل والتزمير والتهليل إلى المنابر الإعلامية والسياسية والنقابية ، وقد تتخذ الأحزاب “الفتية” صورة “ماطيشا” شعارا لها لما في ذلك من تأثير مباشر على الطبقة “الماطيشوية ” البيضوية ( نسبة إلى مطيشا والبيض) ، ولعل المشكلة الأولى التي ستواجه من يختارون “الركوب” على الماطيشا أنها لم تلتفت إلى البيض بعد غلائها،وهذه عادة سيئة يرفضها المغاربة ، ويسمونها نسيان الماضي و”شراكة الطعام”، ولذلك فبقدر ما سيكون الاختيار مثيرا وجالبا، سيكون منفرا لأن الناس سيؤرخون لماطيشا حسب الأضرار التي لحقتهم من جراء غلائها، لا حسب قيمتها الغذائية ، ثم لأن ماحصل في عام “ماطيشا” يعتبر أول حالة “طلاق” بينها وبين البيض، بعد عقود من القصص الغرامية والعشرة الطيبة في السراء والضراء .
فكما سيؤرخ بعض الناس بعام ماطيشا ، سيؤرخ آخرون بعام طلاقها، وخروجها من “بيت الطاعة” . ويربطون بينها وبين ماعرفته بلادنا من جفاف وإضرابات غير مسبوقة في قطاع التربية والتعليم، وقضايا الفساد والزلازل وضحاياها…وغلاء الوقود ….. وهذه ملها قضايا ستعمل على ترسيخ الحدث “الماطيشوي”.
وللناس في ما يعشقون- ويخلدون – مذاهب.