قصة طريفة بعنوان: فوضى العزل في صفوف البرلمانيين ورؤساء الجماعات الترابية 

بقلم: محمد أمقران حمداوي

 

في صباح ربيعي جميل اجتمع ثمانية برلمانيين معروفين باستقامتهم (أو هكذا يدٌَعون) في قاعة فاخرة بمجلس النواب. كانت الشمس تنعكس على الطاولة المصقولة، لكن نقاشهم سرعان ما أضفى سحبا من الكآبة على الجو، رغم أن البداية كانت هادئة.

 

البرلماني الأول، المشهور بخفة ظله، بدأ الحديث بجدية غير مألوفة:

“أيها السادة، لقد أصبحنا نعيش في زمن تتساقط فيه رؤوس البرلمانيين ورؤساء الجماعات كما تتساقط أوراق الخريف. خروقات هنا، وفساد هناك، وغياب للتصريح بالممتلكات هنالك. يبدو أن الفساد اختار البر والبحر ليُظهِر وجهه القبيح!”

 

ضحك البرلماني الثاني بسخرية، لكنه سرعان ما عبس وقال:

“يا أخي، ما يحدث هو نتيجة غياب الشفافية والنزاهة في التزكيات الانتخابية التي أصبحت تُمنح كالجوائز العشوائية أو الشواهد التقديرية دون أن تُراعي معيار الكفاءة والاستحقاق. متى سنضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟ على هذه الحال، لن نجد مكانا نضع فيه حتى المكنسة!”

 

البرلماني الثالث، الذي كان يجلس في الزاوية ويفكر بعمق كأنه يستعد لرؤية هلال رمضان، قال:

“التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات صادم يا جماعة. أكثر من أربعمئة (400) مترشح باسم ما يزيد عن عشرين (20) حزبا سياسيا ومنظمة نقابية واحدة لم يصرحوا بمصاريف حملاتهم الانتخابية. العزل ينتظرهم. المصيبة الكبيرة، هؤلاء يعرفون العقاب قبل الجريمة، لكن المال أعمى الأبصار. كأنهم يتسابقون نحو الهاوية!”

 

دخل البرلماني الرابع على الخط بنظرة تشاؤمية ونبرة ساخرة:

“يا إخوان، التصريح بالممتلكات ومصاريف الحملات الانتخابية ليس صعبا. إنه مجرد ورقة تُوقع وتُرسل للمعنيين بالأمر . وفي حالة عدم تفاعلهم يكفي أن تحرر الجهات المختصة رسالة تذكير أو رسالة إنذار في أقصى الحالات، وقُضِيَ الأمر الذي فيه تختصمون! لكن يبدو أن البعض يفضل الصيد في الماء العكر. ربما علينا أن نعطيهم شباكا وصنارات!”

 

البرلماني الخامس، المعروف بعينيه الجاحظتين، قال بحماس:

“الفساد الانتخابي لا يحتاج علاجه إلى سن قوانين وتشريعات جديدة؛ بل لإرادة سياسية فقط. لكن ماذا نفعل؟ البعض يفضل سقي خضراء الفساد بدلاً من اجتثاثها. دار لقمان ستبقى كما هي ما دام الوضع هكذا!”

 

ساد الصمت للحظة، قبل أن يكسره البرلماني السادس بابتسامة ساخرة:

“إن عدم التصريح بالممتلكات يعني لي شيئا واحدا وهو التهرب من تبرير الثروة المكتسبة خلال الولاية الانتخابية. يعني لي كذلك التهرب من دفع الضرائب. والنتيجة؟ تنمية عالقة واستثمار مشلول. ببساطة، إنها كوميديا سوداء!”

 

لكن الضحك سرعان ما تحول إلى صمت ثقيل عندما قال البرلماني السابع:

“إن عدم التصريح بمصاريف الحملات الانتخابية يعني لي محاولة إخفاء الأموال الباهظة التي تُنفق على شراء الأصوات خارج دعم الأحزاب. كأننا نعيش في مزاد علني للأصوات!”

 

أما البرلماني الثامن، فقد بدا وكأنه فقد كيس نقود. مسح جبينه وقال بغصة:

“الجهات المختصة تعلم علم اليقين أن التصريح بالممتلكات والمصاريف هو أول خطوة لتخليق الحياة الانتخابية بصفة خاصة، والحياة السياسية بصفة عامة. لكن الصمت المطبق يعني أن هناك من يستفيد ويتستر. وكما يُقال: المال السائب يعلم السرقة!”

 

بعد ساعتين من النقاش الحاد والمزاح الثقيل، توصل البرلمانيون إلى نتيجة عبثية تعيد تدوير نفس الشعارات:

“آن الأوان لمحاربة الفساد الانتخابي! آن الأوان لاعتماد الشفافية في منح التزكيات! آن الأوان لتفعيل المحاسبة الجادة! آن الأوان لإفساح المجال للكفاءات!”

 

وقبل أن ينصرفوا، قال البرلماني الأول بحكمة مباغثة:

“تقارير المجلس الأعلى للحسابات ليست للعرض أو الترف. تقارير المجلس الأعلى للحسابات ليست مجرد أوراق للتأمل أو ديكور للمكاتب! إنها دليل صارخ على فساد يجب محاربته. لو أِخِذت بجدية لكان الفقر والإقصاء والتهميش جزءا من الماضي… لكن يبدو أن الجميع يحب دار لقمان كما هي!”

 

ضحكوا قليلاً، ثم غادروا القاعة تاركين وراءهم قهوة باردة وملفات فساد كبيرة تنتظر مصيرها في رفوف النسيان، بينما استمر الفساد في التجول بحرية، يراقب المشهد بسخرية.

Exit mobile version