بقلم: عبد الحكيم البقريني
تعددت تجارب إصلاح التعليم المغربي، وتنوعت المخططات، لكن الترتيب العالمي دائما يجعلنا بذيل القائمة. ليس ظلما لنا، ولكن إحقاقا للحق باعتبار منظومتنا ليس على أحسن حال. وإن ظهر الخلل في كثير من الأحيان، فالقرارات المتخذة لتجاوزه تكون غير مجدية، وبعيدة كل البعد عن ملامسة العطب.. فهل نية إبقاء الوضع على ما هو عليه نية مسبقة؟ ولماذا لم نهتد للحل رغم تعاقب 32 وزيرا خلال 60 سنة الماضية، بمعدل وزير لكل 22 شهرا ونصف؟ ومقابلهم 13 محاولة للإصلاح، بمعدل إصلاح كل 4 سنوات؟ لماذا فشل كل هؤلاء؟ أسئلة وغيرها سنطرحها بساحة تعليمية ملتهبة نتيجة صدور نظام أساسي قوبل بالرفض التام من طرف رجال ونساء التعليم.
لنا أن نتخيل حجم الاعتمادات المالية التي رصدت لمحاولات إصلاح التعليم والتي أتت كالتالي:
1 – اللجنة الرسمية لإصلاح التعليم 1957.
2 – اللجنة الملكية لإصلاح التعليم 1958 – 1959.
3 – المخطط الخماسي 1960– 1964. (اللجنة المكلفة بإعداد مخطط التعليم)
4 – مناظرة المعمورة 1964.
5- المخطط الثلاثي 1965 – 1967.
6 – مناظرة افران الأولى 1970 ومناظرة إفران الثانية 1980.
7- المخطط الخماسي 1985 – 1981.
8 – مشروع الإصلاح 1985.
9- الهيئة الخاصة لإصلاح التعليم
10 – الخطاب الملكي 6 نونبر 1995 الذي دعا إلى تشكيل لجنة خاصة للعمل بميثاق.
11 – الميثاق الوطني للتربية والتكوين 1999 – 2010.
12- البرنامج الاستعجالي 2009 – 2012.
13 – الرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030.
لماذا فشلت كل هذه المخططات؟ ولماذا فشل كل الوزراء في إخراج التعليم من نفقه؟ لماذا لم يحاسب أي واحد منهم جراء تبديد المال دون الاهتداء للحل؟ لماذا يتم إقالة الوزراء مع بقاء رؤساء الأقسام بالوزارة؟ وما سر خلود بعضهم منذ عقود؟ هي أسئلة وغيرها نهتدي بها طريقا وحلا طال انتظاره. يقابل هذا الانحدار تغول قطاع التعليم الخصوصي واشتغاله أحيانا خارج دفتر التحملات، ولعل شد الحبل الذي وقع في عهد الوزير أمزازي مظهر من مظاهره، هذا دون أن ننسى خلل التدبير بمجموعة من الأكاديميات. الأمر الذي يدفعنا للتساؤل؛ ماذا قدمت الأكاديميات الجهوية للتعليم مادامت المركزية مازالت متحكمة في القطاع؟ ألا يمكن أن نقول بأنها تلعب دور الوسيط بين الوزارة والمديريات الإقليمية. إنها تنفذ ما يصلها من أوامر، إذ مجمل القرارات تتخذ بالوزارة، فنحن ما زلنا لم نرس بعد الجهوية بمفهومها الحقيقي.
إن الوضع الهش لا ينفي تألق أبطال المدرسة العمومية في المسابقات العالمية، وحصد الجوائز الأولى في المسابقات المنظمة عالميا سواء بالنسبة للتلاميذ أو للأساتذة، وحصل هذا عدة مرات وفي كل التخصصات. الأمر يدل على وجود طاقات إبداعية رغم قلة الإمكانيات. ذلك أن مثل هذا التفوق يقوم في غالب الأحيان على المقومات الفردية، فتكتفي الوزارة بالتقاط الصور والتباهي بالمنجز، ألا يحق لنا الفخر بكفاءاتنا؟ وأن نعلن أن جوهر المنظومة بخير، ويمكن أن تكون فينقا متى مُكِّنت مما تحتاجه.. وبالمقابل لماذا لم يحقق التعليم الخصوصي مثل النتائج؟ وما سر تألق تلاميذ المدرسة العمومية في امتحانات البكالوريا الوطنية؟ وما سبب تألق الطلبة المغاربة بالجامعات العالمية إن كانت منظومتنا معطوبة؟
ما يعاب على مسؤولي القطاع كونهم لا يصغون لمقترحات الأطر التربوية، فكثيرة هي الاقتراحات والحلول التي يتم إرسالها عبر تقارير المجالس. لكن للأسف لا يتم الأخذ بها، ربما لأنها تحمل حلا للمشكلات، وأنها ستضع حلا للنزيف، وهو الأمر الذي لا يريده كل من اعتاد الصيد في البركة الآسنة للتعليم. إن هذا الأمر يخلق توترا بين الأطر والمسؤولين المركزيين أو الجهويين، إذ بانقطاع حبل التواصل والاصغاء يتشرع التوتر، ولعل رد فعل الأطر التربوية على مشروع النظام الأساسي مظهر من مظاهره، إنه تعبير آخر عن الفجوة بين الإدارة المركزية والقواعد. فالوزارة بواد وأطرها بواد، أو بخندق آخر، فالمشروع الذي لا يحقق الكرامة لا يعد مشروعا.
إن نجاح كل مشروع تربوي رهين بانبعاثه من التربة المحلية. فكفى من استيراد المقاربات البيداغوجية، إذ لنا من الأطر ما يؤهلنا لبلورة بيداغوجية مغربية خالصة.. ولنملك الجرأة والوضوح في النية، ولنعلن الجودة والقطع مع الريع، وألا نشهر العصا في وجه أطرنا التربوية، فالمقاربة العقابية لن تُجْد نفعا، فمتى أكرمت الكريم ملكته. الأطر التربوية في حاجة للكرامة بشقيها المادي والمعنوي، فمن العار أن يحس الأستاذ بالغبن مقارنة مع أصناف أخرى من أطر وزارته، أما مقارنته مع باقي القطاعات فتلك قصة أخرى.
هرمنا، وما بزغ فجر تعليم جيد. ويبقى الحلم والأمل معلقا راهنين جيلا آخر… ألهذا الحد يعسر الحل؟ أم أننا ندير ظهرنا له؟ أسئلة وأخرى تؤرق كل ممعن النظر. ليبقى السؤال مطروحا منذ كنت تلميذا إلى أن غدوت أستاذا، وقضيت أكثر من عشرين سنة بالقسم، لماذا فشل إصلاح التعليم المغربي على مدار عقود؟