دور البحث العلمي في محاربة الاجهاد المائي.
بقلم : هدى بلخودة
يواجه المغرب كما العديد من البلدان حول العالم تحديًا هامًا ومستمرًا يتمثل في الاجهاد المائي، بحيث يتزايد الضغط على موارد المياه في البلاد نتيجة لتزايد السكان، وتوسع النشاطات الاقتصادية بالإضافة الى تغيرات المناخ التي تؤثر على توزيع وتوافر المياه .
فمنذ سنوات عديدة، تعتبر الموارد المائية في المغرب غير كافية لتلبية الطلب المتزايد على المياه في جميع القطاعات، بما في ذلك الزراعة والصناعة والشرب. بحيث تعتمد البلاد بشكل كبير على مصادر المياه السطحية والجوفية، ولكنها في المقابل تعاني من تراجع في مستوياتها وتدهور جودتها. و هذا يتسبب في ضغط متزايد على الموارد المائية المحدودة وتأثيرات سلبية على البيئة والمجتمع.
و تبعا للوضعية اليومية للسدود الرئيسية الكبرى بالمملكة، التي أصدرتها وزارة التجهيز والماء، في 23 شتنبر 2022، فإن جميع السدود سجلت معدل ملء يبلغ 24.8 في المائة فقط، مقابل 38.8 في المائة قبل سنة. وبخصوص موارد المياه الجوفية، فإن الوضع مقلق. فوفقا لمعطيات وزارة التجهيز والماء، معظم طبقات المياه الجوفية تعاني من مشاكل الاستغلال المفرط. بحيث أظهرت التقييمات المنجزة لطبقات المياه الجوفية الرئيسية أن حجم المياه الجوفية المأخوذة في السنة في المتوسط (5 ملايير متر مكعب) يتجاوز الموارد القابلة للاستغلال، وهو استغلال مفرط يبلغ نحو 1.1 مليار متر مكعب في السنة
في ضوء ذلك و على الرغم من جهود الحكومة المغربية في تطوير البنية التحتية للمياه وتعزيز الكفاءة في استخدامها، إلا أن التحديات ما زالت كبيرة. بحيث يستوجب تعزيز الوعي بأهمية المحافظة على الموارد المائية وتشجيع الممارسات المستدامة في جميع القطاعات. بالإضافة الى تقوية التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتطوير حلول مبتكرة وفعالة لمواجهة التحديات المائية
وفي هذا السياق، يتطلب تحقيق الاستدامة المائية تنفيذ استراتيجيات شاملة لإدارة الموارد المائية وتوزيعها بطريقة عادلة وفعالة بحيث يتعين تعزيز البحث العلمي والتكنولوجيا لتطوير تقنيات مبتكرة في مجال استخدام المياه وتحلية المياه وتخزينها وإدارتها
وقد افادت السيدة آمنة بوعياش، إلى ضرورة العمل على “النهوض بالوعي في التعامل مع الموارد المائية بناء على منطق الندرة وليس منطق الوفرة”، مؤكدة على أن الموارد المائية ليست ثروة بلا حدود، وليست دائمة، وأنها تتطلب منا جميعا إعادة النظر في استعمالنا لها”.
في هذا الصدد اكد السيد العروي في خطاب سابق أن “الماء بالمغرب هو المورد الطبيعي الذي يؤثر بشكل كبير على الرخاء والاستقرار الاجتماعي، والذي يمكن من تسريع أو إبطاء تحقيق الأهداف التي تحددها السياسات العمومية”
و في ضوء هذه المعلومات تعتمد مقاربة المجلس الوطني لحقوق الانسان على مبادئ وملاحظات المنظومة الدولية في مساءلة الإجراءات الاستعجالية للحكومة لمواجهة التداعيات الآنية للإجهاد المائي بالاعتماد على رؤية تميز بين الخيارات الاستراتيجية التي يتطلب تنفيذها بناء تصورات ومخططات على المدى المتوسط والبعيد من جهة، ومجموعة من الإجراءات المستعجلة الموجهة لمحاصرة الإجهاد المائي وإيقاف استنزاف الموارد المائية للبلاد، من جهة أخرى.
بناءً على ذلك اكد المجلس الوطني لحقوق الانسان ان المغرب يواجه تحدي متعدد الابعاد يتطلب مسارات تجمع بين التقني و البشري و البحث العلمي لبناء تصور يعتمد على ستة عناصر متداخلة فيما بينها، نذكر منها الاتي التعاطي مع الجفاف باعتباره معطى بنيويا وليس ظرفيا ، اولوية الأمن الغذائي وحماية حق الأجيال القادمة في الثروة المائية ، اعادة النظر في نموذج النمو القائم على مركزية القطاع الفلاحي ، بحيث يأتي تعزيز لاهتمام بالبحث العلمي حول قضايا المناخ والماء في المرتبة و الدرجة الأولى
و من خلال المذكرة التي قدمها المجلس الوطني لحقوق الانسان يومه الثلاثاء 07 فبراير 2023 تم التأكيد على أهمية استراتيجية للاستثمار في البحث العلمي وتعزيز اهتمام الخبراء والباحثين بقضايا المناخ والماء بحيث يدعو المجلس إلى رفع قيمة التمويلات المخصصة للأبحاث في المجال مع إشراك القطاع الخاص في دعم جهود البحث العلمي. كما تنص مذكرة المجلس على أهمية مراجعة حكامة قطاع الماء، واعتماد رؤية مؤسساتية تسمح بإرساء نظام مؤسساتي موحد وقائم على المقاربة التشاركية بتعزيز انخراط الساكنة والمجتمع المدني والخبراء ومؤسسات الحكامة
من أجل تحقيق هذه الأهداف، يعتبر الاستثمار في البحث العلمي مهم جدًا. يمكن للشركات والمؤسسات الاستثمار في البحث والتطوير لتطوير حلول جديدة ومبتكرة لمكافحة الاجهاد المائي في المغرب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومة أيضًا الاستثمار في البحث العلمي والتنمية التكنولوجية لتعزيز قدرتها على التصدي لهذه المشكلة
ومن المثاليات الاستثمار في البحث العلمي أن تؤدي النتائج المبتكرة الى تحسين وتطوير التكنولوجيا الحالية. يمكن للشركات الاستثمار في البحث والتطوير لتطوير مرافق تحلية المياه ومعالجتها بطرق أكثر كفاءة وفعالية، مما يحسن جودة المياه ويوفر المياه الصالحة للشرب للسكان. وهذا بدوره سيساعد في تخفيف الضغط على الموارد المائية الحالية في المغرب.
لكن، لا يمكن أن يكون الاستثمار في البحث العلمي ناجحًا بدون دعم الحكومة. بحيث يجب أن تتخذ الحكومة الخطوات اللازمة لتشجيع الشركات والمؤسسات على الاستثمار في البحث والتطوير، وتوفير التمويل والموارد اللازمة لدعم هذه الأنشطة
ان البحث العلمي له أهمية كبرى في معرفة الحجم الحقيقي للموارد المائية وتطورها قصد تحسين طرق تدبيرها. فضلا عن كيفية مكافحة تلوث المياه عبر تعميم الصرف الصحي ومعالجة المياه العادمة، وتعميم تزويد مختلف المدن وكذا العالم القروي بالتطهير السائل، والحد من الاستغلال المفرط للمخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية،
وفي هذا الصدد تلعب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) دورًا هامًا في مجال البحث العلمي لمحاربة الاجهاد المائي من خلال برنامجها الهيدرولوجي الدولي هذا البرنامج الذي يعمل على تعزيز البحوث الدولية في مجال العلوم الهيدرولوجية وعلوم المياه العذبة وتطويرها
تعمل اليونسكو على تسهيل الحوار والتعاون بين العلماء والباحثين في مجال المياه عبر الحدود السياسية، وخاصةً فيما يتعلق بالبلدان النامية و في الوقت نفسه يعتمد برنامج اليونسكو الهيدرولوجي الدولي على نهج متعدد التخصصات ومتكامل في إدارة مستجمعات المياه، ويشمل البعد الاجتماعي للموارد المائية. يهدف البرنامج إلى تعزيز إدارة الموارد المائية وحوكمتها من خلال تعزيز البحوث العلمية وتطوير التقنيات ذات الصلة
و في الوقت نفسه يتولى البرنامج الهيدرولوجي الدولي مسؤولية تقديم المشورة والتوجيه العلمي للدول الأعضاء في قضايا الحفاظ والحماية والإدارة والسياسات المتعلقة بالمياه. يعمل البرنامج على تشجيع التعاون الدولي في مجال البحث الهيدرولوجي وتوفير منصة للتعاون بين العلماء وتبادل البيانات والمعرفة العلمية .
في هذا المنوال ، يمكننا القول إن الاستثمار في البحث العلمي يلعب دورًا هامًا في مكافحة الاجهاد المائي في المغرب و يجب على الحكومة والشركات والمؤسسات العمل بشكل مشترك لتحقيق هذه الأهداف وتطوير حلول فعالة ومستدامة لمكافحة هذه المشكلة الحاسمة
فعندما يجتمع الابتكار والبحث العلمي، ينبثق التقدم في إدارة الموارد المائية. يقدم البحث العلمي حلاقات ابتكارية وتقنيات متطورة لتحقيق إدارة مستدامة للموارد المائية. فهو يتمحور حول تطوير تقنيات تحلية المياه واستخدام المياه العادمة بطرق آمنة وفعالة، بالإضافة إلى تحسين أنظمة الري الذكية وتقنيات الاستدامة الزراعية، وكدا توفير تنبؤات دقيقة لإدارة الموارد المائية. و وفقا لمجموعة من الدراسات نجد ان من اهم نقط قوة البحث العلمي
فهم أفضل للتحديات المائية: يساعد البحث العلمي في فهم أعمق لأسباب وتأثيرات الاجهاد المائي، بما في ذلك تغيرات المناخ وتأثيرها على الموارد المائية، زيادة الطلب على المياه نتيجة للنمو السكاني والتنمية الاقتصادية هذا الفهم يمكن أن يوجه التدابير والسياسات الفعالة للتصدي لتحديات المياه
تطوير التقنيات والحلول الابتكارية: يساهم البحث العلمي في تطوير وتحسين التقنيات والحلول المبتكرة لإدارة الموارد المائية بشكل أكثر فعالية. يمكن أن يشمل ذلك تطوير تقنيات لتحلية المياه، واستخدام المياه العادمة بشكل آمن وفعال، تحسين أنظمة الري الذكية وتقنيات الاستدامة الزراعية، بالإضافة تقنيات التنبؤ بالمياه وإدارتها
التخطيط الاستراتيجي واتخاذ القرار: يعزز البحث العلمي قدرتنا على إجراء التخطيط الاستراتيجي واتخاذ القرارات المستنيرة في مجال إدارة الموارد المائية. يمكن للدراسات العلمية أن تقدم نتائج قوية وأدلة قائمة على الحقائق لدعم صنع القرارات السياسية وتحديد الأولويات وتوجيه الاستثمارات في قطاع المياه
التعاون الدولي والمعرفة المشتركة: يعزز البحث العلمي التعاون الدولي وتبادل المعرفة والخبرات بين البلدان والمؤسسات المختلفة. يمكن للدول والمنظمات أن تستفيد من الدروس المستفادة والأفكار المبتكرة والتجارب الناجحة في مجال إدارة الموارد المائية، وهذا يساعد على تحقيق تنمية مستدامة وعادلة للمجتمعات
حماية البيئة المائية: يعمل البحث العلمي على فهم وتقييم تأثير التلوث وتغير المناخ والتدخلات البشرية الأخرى على البيئة المائية. من خلال الأبحاث العلمية، يمكننا تحديد وتنفيذ إجراءات وسياسات للحفاظ على جودة المياه وتنمية النظم البيئية المائية
رصد وتنبؤ الكوارث المائية: يساعد البحث العلمي في تطوير نظم رصد وتنبؤ للكوارث المائية مثل الفيضانات والجفاف وتلوث المياه. من خلال جمع وتحليل البيانات وتطوير نماذج تنبؤ دقيقة، يمكن تعزيز الاستجابة المبكرة واتخاذ الإجراءات الوقائية للتقليل من تأثيرات هذه الكوارث
توعية الجمهور والتثقيف: يعمل البحث العلمي على توفير المعرفة والمعلومات العلمية للجمهور والمهنيين في قطاع المياه. يساعد ذلك على زيادة الوعي والتثقيف بشأن أهمية المياه وضرورة الحفاظ عليها، ويشجع على تبني سلوكيات مستدامة في استخدام المياه
باختصار، يعد الاجهاد المائي تحديًا شاملاً يتطلب تعاوناً وجهوداً مشتركة من جميع الأطراف المعنية. إن الحفاظ على الموارد المائية في المغرب يمثل ضرورة ملحة لضمان استدامة البلاد ورفاهية مواطنيها في المستقبل. و بشكل عام، يعزز البحث العلمي فهمنا وقدرتنا على مواجهة تحديات الاجهاد المائي بطرق مستدامة وفعالة إنه أداة أساسية لتحقيق تنمية مستدامة وحفظ الموارد المائية للأجيال الحالية والمستقبلية .