بينما كان الجار الشقيق مشغولا برده عن حضور منتخبنا من اجل المشاركة في كأس افريقيا للمحليين في الجزائر ، …وبينما كان العاكفون يتكهنون في معبد كرة القدم بمن سيفوز …،افخر يا مغرب….
كانت المملكة المغربية الشريفة مشغولة بمباراة علمية عظيمة يخوضها علماؤها وقائدها ملكنا محمد السادس حفظه الله ونصره للوصول إلى مجاهيل الكون الفسيح…
سينفض الناس بعد أسبوعين من الآن، وسيطوي الزمان تفاصيل كأس افريقيا للمحليين كما طوى غيرها من الأحداث، وستزول غشاوة المنتصرين وينسون زيف الانتصارات، وسينسى المنهزمون أوهام الخيبات.
و كم من نظير ند عن جهل من أولئك لبلادناوفي الشعوب من نزهاء تحت حكم الطغاة .
لكن المغاربة سيرتادون الفضاء مرات مرات ومرات.
حتى لو كانت لعبة كرةقدم .. لكن مكاسبنا منها يجب ألا نفرط فيها، بل نتمسك بها ونفهم منها ونبني عليها:
1- مكسب عظيم أن تستعيد الأمة شعورها بالتوحد والتعاطف والتناصر.. من ذا ينكر أنه مكسب عظيم؟!
مكسب نفهم به مشاعر أمتنا، وتجذر روابطها العربية الإسلامية، وأي شيء يطربنا إذا لم نطرب لفرحة العرب والمسلمين لبلد يفوز، ولو في الكرة؟!.. إن بناء المشاعر أمر لا تفعله السنوات ولا العقود إذا فقدته الشعوب!! وأي أمل في نهضة أمتنا وفي توحدها لن يكون حقيقيا إذا لم يكن مبنيا على مشاعر تحب هذا التوحد .
حضور فلسطين في المونديال
2- مكسب عظيم أن تحضر فلسطين حين تغيب في أروقة الأنظمة.. أولئك الذين يتحدثون عن الرأي العام العالمي وعن المجتمع الدولي، لن يجدوا فرصة لمخاطبة هذا الرأي العام خيرا من مبارايات هذه اللعبة، لعبة الكرة.. القضية التي كم أنفق من الأموال على تغييبها وتسفيهها وسب أهلها وتشويه مقاومتها.. حضرت رغم أنف الجميع، أمام الملايين.. نموذج يتحقق فيه قوله تعالى {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون}…
أليس هذا مكسبا؟!
3- مكسب عظيم نفَّذه اللاعبون المغاربة دون أن يفكروا فيه.. احتفالهم مع أمهاتهم، لقد غرس الغرب فينا عادة اصطحاب الزوجات والاحتفال معهن، دون أن يفكر اللاعب فيما يفعل، وجد نفسه يحتضن أمه ويقبل يدها، وينزل بها إلى الملعب.. قيمة جديدة من قيمنا الحضارية التي لم يعرف العالم عنها شيئا لأنها لم تحدث أمامه من قبل..
لعبة كرة نعم، واحتفال بفوز في الكرة نعم.. ولكنه يكشف أمرًا هو من صميم ثقافتنا المهزومة، التي تعاني من ضغط الغالبين عليها.. أليس هذا مكسبا عظيما لأمتنا، حتى لو أنه تحقق في ملعب كرة؟!
سجود اللاعبين المغاربة
4- وهذا السجود الذي يسجده اللاعبون المغاربة.. ألم يكن يشكو بعض الناس قديما وحديثا من أن الصبية الصغار ربما قلدوا حركة الصليب إذا شاهدوا الكرة، أو قلدوا حركة الانحناءة العابدة إذا شاهدوا الكاراتيه.. هي فرصة ليرى أطفالهم ورجالهم كيف نعبر عن شكرنا لله كذلك!!
5- ثم مكسب الأندلس، ويا له من مكسب!! ولا ينبئك عن هذا المكسب مثل باحث في التاريخ، يقضي فيه نهاره وليله، ويتحسر أن ينسى المسلمون مجدهم الفاخر الكبير!! إن هذا الحضور الطاغي للأندلس في ذاكرة الأمة نصرٌ وحده.. وإن أي مستثير له في الوجدان ومنعش له في الذاكرة هو عمل يُسعى إليه ويُنفق فيه.. ولقد رأيت من العلمانيين والمتغربين من لم يستطع أن يكتم قهره وغيظه لأن الناس تذكرت الأندلس.. وتجدد -بهذا- لمرة أخرى أن تكون الأندلس أصلا فارقا بين المسلمين وبين الضالين المضلين المنحرفين عن ميزان الأمة وضميرها.
من السخافة أن نفرط في كل هذه الأمور لأنها مجرد لعبة كرة! ولن أعيد ما ذكرته سابقا حول مكاسب سابقة، مختصرها: أن من فضل الله على المسلمين أن كأس العالم نظّمته قطر، مع أن قطر لم تفعله لكي تدعو الناس إلى الإسلام، لكنها:
1- حين نظّمته منعت فرض ثقافة يراد أن تفرض علينا، ووقفت في هذا بصلابة تستحق الشكر.. وأتاحت -مجرد إتاحة- من أراد أن يدعو إلى الإسلام.. وظهر من القيم في الشعوب العربية وضيافتها وأخلاقها ما تحير له الغربيون!
2- ثم إنها لم تمنع نصرة فلسطين (لا تنسوا أن مشجعا رفع علم فلسطين في استاد القاهرة فألقي القبض عليه في ساعتها وحبس شهورا)، فأتاحت بهذا تفاعلا عظيما مع فلسطين..
3- ثم إنها -وهي البلد النظيف المتطور- كانت خير وجه يراه الغربيون وغيرهم لبلاد المسلمين.. ويظهر هذا الان حيث نرى بأعيننا المجردة ان الجار الشقيق اعلامه و قنواته الفضائية منشغلون لمقال قدّمه السفير الفرنسي السابق في الجزائر غزافييه دريانكور، في مقال له بصحيفة “لوفيغارو”، تقييماً نقدياً للغاية للسنوات الثلاث من الفترة الرئاسية لعبد المجيد تبون، معبّراً عن خشيته من تداعيات الوضع السياسي الجزائري على فرنسا.
العاقل هو الذي يبحث كيف يصنع بما أتيح له، طالما عجز عما هو فوقه.. أما أن تسكن برجك العالي لتنظر إلى عالم الناس باستخفاف واستهانة، فما تفعل بهذا إلا أن تعزل نفسك وتخسر قضيتك! وسبك للناس لن يؤثر فيهم، بل هو يوغر صدرك!! وخير الناس أنفعهم للناس!! ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم..
بقلم :احمد هتي