أخبار عامة

إلى أي حد يمكن ادراج مقاربة النوع الاجتماعي في الاعلام و التغطية الإعلامية لقضايا العنف المبني على النوع ؟.

يشهد العالم اليوم ارتفاعاً في حالات العنف المبني على النوع، والذي يشمل العنف الجنسي والعنف الأسري والعنف الجنساني، فالعديد من الضحايا يواجهون عدم احترام حقوقهم وتشهيرهم في وسائل الإعلام. لذلك، فإن الحاجة اليوم ملحة لحماية ضحايا العنف المبني على النوع من التشهير والاستغلال الإعلامي بالإضافة لتطوير ميثاق أخلاقي يؤطر عمل الصحافيين والصحفيات في تغطية النوع الاجتماعي بحيث أصبح لوسائل الإعلام دور هام في تشكيل الرأي العام وتوجيه التفكير والتوجهات لذا يتعين على الصحفيين والصحفيات أن يكونوا على دراية بمسؤوليتهم الأخلاقية في تغطية النوع الاجتماعي وقضايا العنف المبني على النوع

تعتمد فكرة النوع الاجتماعي على تقسيم الأدوار والخصائص المجتمعية المرتبطة بكل جنس، وكذلك على توقعات وثقافة المجتمع وإطاره العقلي. يجب الانتباه إلى أنه يحدث خلط مستمر بين المفهومين “الجنس” (الذكر والأنثى) و”النوع الاجتماعي” (الجندر). يُشير المصطلح “الجنس” إلى الخصائص البيولوجية والفسيولوجية التي تميز الذكور والإناث والتي تظل ثابتة ما لم يتم التدخل الجراحي، بينما يتعلق المصطلح “الجندر” أو “النوع الاجتماعي” بالعوامل الثقافية والاجتماعية التي تحكم الأدوار والمفاهيم المرتبطة بالجنسين. يرتبط النوع الاجتماعي بالسياقات الثقافية للمجتمعات وبصورة تصورها للسلوكيات المناسبة للرجال والنساء في توزيع الأدوار والتوقعات

من جانب آخر، يُلاحظ أن البناء المجتمعي الذي يشكل الهوية الجندرية يتأثر بالعوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، مما يؤدي إلى ظهور فروق اجتماعية بين الذكور والإناث منذ سن مبكرة. على سبيل المثال، تؤثر اختيارات الألعاب في الطفولة واختيارات المسارات الدراسية في المرحلة الثانوية على توقعات المجتمع والثقافة المحيطة بالجنسين، حيث تشجع بعض الخيارات وتكبح أخرى استنادًا إلى الجنس. وبالإضافة إلى ذلك، يتطور ويتغير النوع الاجتماعي بحسب العوامل الجغرافية والتاريخية، حيث تتغير بعض المعايير التي كانت ترتبط بجنس محدد في فترات زمنية سابقة، وتختلف السلوكيات المجتمعية في الثقافات المتنوعة. وبناءً على ذلك، فإن التغييرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية تؤثر على النوع الاجتماعي وتؤدي إلى ظهور فروق اجتماعية بين الجنسين

يجب عدم تناول قضايا النساء والحقوق والمساواة كقضايا موسمية تستخدم للاستهلاك الإعلامي في مناسبات محددة مثل الثامن من مارس أو في مواجهة أحداث فاحشة مثل جرائم الاغتصاب. يتطلب التغطية الإعلامية لقضايا النوع الاجتماعي تسليط الضوء على هذه القضايا بشكل مستمر ودائم، وإشراك النساء الخبرات في مجالات الإعلام المختلفة، سواءً في المجال الاقتصادي أو المناخي أو الرياضي، وليس فقط في القضايا الأسرية.

عندما يعمل الصحفيون والصحفيات في أي موضوع مهم بغض النظر عن صلته المباشرة بقضايا النوع والمساواة وحقوق النساء، يمكنهم البحث عن خبراء نساء في هذا المجال لتعزيز تمثيل النساء كمحاضرات وباحثات. قد يكون هذا التحدي في البداية صعب، ولكن مع الممارسة المستمرة، يمكن تطوير شبكة علاقات تعزز هذا النهج. يمكن للصحفيين والصحفيات الذين يهتمون بتعزيز تمثيل النساء خارج “المواسم النسوية” أن يتفقوا على تبادل المعلومات والمصادر لإثراء مقالاتهم بالحضور النسائي الفعّال في مختلف المجالات والقضايا التي يتناولونها.

يجب أيضًا التركيز على تطوير لغة إعلامية تعتمد مقاربة النوع في التغطية الإعلامية لمختلف القضايا، وخاصة قضايا النوع والعنف المبني على النوع. يجب توفير مرجع تفصيلي يوجه التغطية الإعلامية السليمة لهذه القضايا وقضايا النوع والعنف المبني على النوع. من خلال تحسين التغطية الإعلامية لهذه القضايا، يمكن توعية الجمهور وتشجيع المجتمع على التفكير في حلول فعالة للحد من العنف المبني على النوع. يجب على الصحافيين والصحفيات استخدام لغة تعكس الحقائق وتجنب الاستخدام المبالغ فيه للعناوين الصادمة أو المسيئة. يجب أن تكون التقارير متوازنة وتبرز القضايا الهامة بشكل موضوعي، وتجنب تعميم الأفكار والتحيزات النمطية.كما من المهم تجنب استخدام عبارات تكرس الصور النمطية وتبرر العنف المبني على النوع، فاللغة تشكل أداة تطبيع مبطن مع الصور النمطية و العنف المبني على النوع بحيث هناك العديد من العبارات التي تكرس التقسيم الكلاسيكي للأدوار وتبرر او تكرس العنف المبني على النوع فمثلا عندما ندرج عبارة جرائم الشرف في انتاجاتنا الصحفية فنحن نبرر الجريمة على أساس ان الجاني كان يدافع عن شرفه العبارة الأنسب في هذه الحالة هي جرائم قتل النساء و يجدر الإشارة انه من الأفضل تجنب العناوين او العباران التي تبرر الفعل او الواقعة “شك في خيانتها فقتلها” بالإضافة الى تفادي بعض الصيغ كحجاب الطفلات، الدعارة سن الياس ،مانح، رجال القضاء/رجال التعليم / رجال الشرطة، فمن الأصح قول تحجيب الطفلات، امتهان الجنس، فترة توقف الدورة الشهرية، جهة مانحة، الأشخاص العاملون في مهنة، بالإضافة الى تجنب استخدام عبارات تكرس الصور النمطية “تتحلى بشجاعة كالرجل ، يبكي كالنساء، امرأة بألف رجل،” كما على الصحافي و هيأة التحرير الانتباه لاختيارات الصور المرفقة للمقالات حتى لا يساهم الإعلام في تكريس الصور النمطية، مثلا التطرق لمواضيع الشعودة علينا الانتباه ألا تكون الصور المرفقة دائما للنساء لأن العاملون في هذا المجال يوجدون في الجنسين كما التركيز على تعزيز الحضور النسائي الفعّال في جميع الملفات والقضايا التي يتم التطرق إليها. حيث يجب تجنب تصاعد صور النساء فقط في المقالات المتعلقة بالشؤون القضائية أو التعليمية أو الشرطية يجب أن تكون اللغة الإعلامية أداة لتعزيز المساواة وتجنب تعزيز الانحياز والتمييز الجنسي.

فيما يتعلق بتغطية قضايا العنف المبني على النوع، يجب على الصحافيين والصحفيات أن يتبنوا نهجًا يحافظ على مصداقية وأهمية هذه القضايا. يجب تقديمها بطريقة لا تقلل من أهميتها أو تعتبرها مجرد أحداث عابرة. يمكن تحقيق ذلك من خلال اختيار زوايا التقارير وطرق تقديم الأرقام واستخدام شهادات الضحايا والدراسات التي توضح مثلا نسب الوفيات للرضع أثناء الولادة، مما يساهم في زيادة الوعي بخطورة هذه الظاهرة مثل تزويج القاصرات. كما يجب توثيق تجارب العنف دون المساس بخصوصية وكرامة الضحايا، مما يساهم في نشر الوعي وتأثيره بشكل مماثل للأرقام والدراسات

إن الأهمية البالغة في مثل هذه الحالات أن يتم منح الكلمة للمجتمع المدني، حيث يكون لديهم الشهادات والحالات الفعلية التي يمكن أن تساهم في توضيح الأمور. ويجب أن يتفادى الصحافي أو الصحافية تبرير العنف عن طريق التعاطف مع المعتدي أو بتبرير سلوكه بالضحية على سبيل المثال، مثل ارتداء الفتاة لملابس ضيقة. كما يجب على الصحافي أو الصحافية البحث عن الحقائق وتحليل الأحداث قبل تقديم المنتج الإعلامي. يجب تجنب عناوين تساهم في صنع تعاطف الرأي العام مع الرجال المعتدين، مثل استخدام التبريرات النمطية مثل كون المعتدي كان في حالة غير واعية أثناء الحادث، ويجب تجنب التبريرات الأخرى مثل الأمراض النفسية أو الدفاع عن الشرف أو التهميش بالإضافة إلى ذلك، يجب تفادي تبرير العنف المبني على النوع بسبب طبيعة أو شكل الضحية مثل ملابسها، أو علاقاتها السابقة، أو عذريتها. فمن الأصح على الصحافي والصحافية أن يتجاوزوا هذه العوامل السطحية و يرتكزوا على تقديم المعلومات والتحليل بشكل موضوعي وعدم السماح للتحيز أو الانحياز أن يؤثر على الطرح الإعلامي

وفي هذا السياق من الأخطاء الشائعة في التغطية الإعلامية للعنف المبني على النوع هو الحديث عن ظروف الجاني الاجتماعية، أو تعاطيه للمخدرات، أو أنه كان ضحية لأبوين معنفين. هذا النوع من التقارير يسهم في انتشار الأفكار المغلوطة والتعاطف مع الجاني. يجب على الصحافي والصحافية عدم الوقوع في فخ هذه الصورة النمطية وتقديم المعلومات بشكل موضوعي وعدم تبرير العنف بسبب ظروف المعتدي

كما أن من ضمن الأخلاقيات المهنية للتغطية الإعلامية لقضايا العنف المبني على النوع، أن يتم التركيز على الوقائع وعدم المساس بكرامة الضحايا وعائلاتهم والحفاظ على سلامتهم. يجب أيضًا استحضار المتخصصين والخبراء لتغطية هذه القضايا بمهنية، وعدم إدراج تصريحات تهدف بشكل أساسي لخلق ضجة إعلامية أو استخدامها للشهرة أو التشهير. يجب أن يجعل الصحافي والصحافية الواقعة فرصة لطرح القضية للنقاش العام وليس بهدف إثارة الضجة أو كسب التفاعلات

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الصحافي والصحافية فهم المصطلحات القانونية والتواصل مع المتخصصين لتفسيرها بشكل صحيح. ولا ينبغي محاورة الأطفال الضحايا، يمكن التحدث مع أولياء الأمور أو المساعدين الاجتماعيين للحصول على المعلومات، ولكن محاورة الأطفال حتى بوجه غير مكشوف تبقى خارج أخلاقيات الممارسة المهنية

فالتركيز على حقوق الضحايا واحترام خصوصيتهم وكرامتهم. يمكن من تطوير مرجع بالتعاون مع الخبراء في مجال النوع وحقوق الإنسان، وتوزيعه على وسائل الإعلام والمؤسسات الإعلامية، وتوفير التدريب المستمر للصحافيين والصحفيات و في هذا الصدد و كما أشار ديفيد راندل، البحث المناسب والمادة الأساسية هما الأساس لنجاح التغطية الإعلامية. يجب على الصحافي والصحافية القيام ببحث مسبق لجمع المعلومات والمعطيات الضرورية قبل إجراء المقابلة، وضبط طريقة إجراء المقابلات وفقًا للفئة المعينة. فطبيعة المقابلات مع السياسيين والمشاهير تختلف عن المقابلات مع ضحايا الاعتداءات، والأشخاص العاديين بحيث قد لا تكون لديهم القدرة أو الخبرة في التواصل مع وسائل الإعلام أو التعامل مع المخاطر المحتملة لذلك، يجب على الصحفيين والصحافيات أن يعاملوا ضحايا العنف بكرامة ويحموا خصوصيتهم ويضمنوا سلامتهم وأمنهم وحمايتهم من أي ضرر أو انتقام.

لتحقيق ذلك، يمكن تطوير ميثاق أخلاقي يحدد المعايير والمبادئ الأساسية التي يجب على الصحافيين والصحفيات الإلتزام بها أثناء تغطية قضايا العنف المبني على النوع. يجب العمل على هذا الميثاق ليشمل تعزيز مفهوم النوع وتعزيز الإحترام والتسامح وعدم التحيز في التعامل مع الضحايا والمتهمين. بالإضافة لإلتزامه بعدم نشر أو ترويج المعلومات التي قد تؤدي إلى تشهير الضحايا أو زيادة العنف بشكل عام. يجب على وسائل الإعلام العمل على تحسين التغطية الإعلامية لقضايا النوع والعنف المبني على النوع، وتوفير الموارد اللازمة لتحقيق ذلك، حتى يتم تحقيق تغطية إعلامية سليمة ومحايدة لهذه القضايا

و في هذا الصدد يعتبر أن للمرجع دور توجيهي في تعزيز التغطية الإعلامية لقضايا النوع والعنف المبني على النوع، مع توضيح المعايير الأخلاقية والمبادئ التوجيهية المطلوب اتباعها في التغطية الإعلامية لهذه القضايا. يمكن أن يتضمن المرجع التركيز على المصطلحات الصحيحة والمفاهيم الأساسية المتعلقة بالنوع والعنف المبني على النوع، وتوضيح الأخطاء الشائعة التي يجب تجنبها في التغطية الإعلامية. كما يمكن أن يشمل المرجع أمثلة عملية ودراسات حالة توضح كيفية تنفيذ التغطية الإعلامية السليمة والمسؤولة لقضايا النوع والعنف المبني على النوع

باختصار، يجب توفير مرجع مفصل يحدد المعايير الأخلاقية والتوجيهات العملية للتغطية الإعلامية السليمة لقضايا النوع والعنف المبني على النوع. يتطلب ذلك التعاون مع الخبراء والمؤسسات المعنية وتوفير التدريب المستمر للصحافيين والصحفيات، بهدف تعزيز الوعي وتحسين جودة التغطية الإعلامية لهذه القضايا الحساسة

هدى

بلخودة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى